في مرتين متتاليتين يطلع علينا فيها ترامب من البيت الابيض برفقة نتياهو ليقول في الأولى بأنّه سيجعل من غزة ريفرا الشرق الاوسط، وفي الثانية يقول: لا أعرف كيف سلمّ الإسرائيليون موقع رائع كغزة للفلسطينيين، وما كاد ينّقضي شهرًا إلى شهرين حتى طلع علينا فيها مرة أخرى من عاصمة بلد عربي، ليزيد على القول قولًا ثالث : بأنه سيجعل من غزة الموت والدمار منطقة حرية تعج وتنبض بالحياة، بما يؤكّد أن حديث الرجل ليس مجرّد بالونات أختبار يطلقها في الهواء وإنّما شعورٌ نابع عن هدف مضمر في النفس.
فلا مفاضلة بين ترامب1 الذي نقل سفارة بلده إلى القدس معترفًا بها عاصمة ابديّة لإسرائيل، وترامب2 الذي نعقد عليه من باب الشراكات والصفقات التجارية طويلة الأمد الأمل بتحقق السلام العادل والدفع بالشرق الأوسط إلى الأمام، إلا من حيث فارق تسعيرة العمر أمام الغانيات من مشاهير هوليود، وانزعاج سيدة البيت على مراحلها الأخيرة وتضايقها من فضائحه الجنسية وما باتت تسببه لها من إحراج اجتماعي وقلق نفسي، حتى لجأت إلى حيلة شراء الصمم لنفسها على طريقة سيّدها ومثلها الأعلى حال شراؤه الصمت من الممثلة الإباحية ( ستورمي دانييلز ).
فترامب ما قبل 2020م المهرّج والمثير للجدل الذي يهوى التغريدات والسخريّة من الآخرين إلى حد الثمالة، ما فتأت منصات عديدة للتواصل الاجتماعي بسقوطه أمام منافسه بايدن تتنفس الصعداء حتى تسارع لإغلاق حساباته، كما أغلقها عمال نظافة البيت الأبيض سؤمًا منه وذلك بتسببه في سد دورة المياة مرات عديدة ناتج رميه لبعض الأوراق السرّية والمخلفات المكتبية في المجرى، هو نفسه من عاد محمّلًا بمشاكل وأطماع لا حصر لها يكاد يخنق بها العالم، من ضم كندا إلى شِراء جزيرة جيريلاند القطبية وصولًا أخيرًا إلى ترحيل سكان غزة تمهيدًا لأمركتها وتحويلها إلى ريڤيرا الشرق الأوسط " ترانزيت بضائع إمتداد لقناة يتم إنشاؤها تربط البحر الأحمر والمتوسط تبدأ من خليج العقبة بالأردن، المراد لها منافسة قناة السويس حال إلتحاقها بمشروع الحزام والطريق الصيني.
من أمريكا أولًا إلى أمريكا أولًا وأخيرًا لوحدها على مرثون السباق تسابق نفسها، غاية تبرر وسيلتها في عقل الرجل من ثقافة الهيمنة للوحش المراوغ المتشبث بالإمبريالية وعبثها اللامتناهي بالإنسان وبالطبيعية،( أرمي لي أحد أفراخك مالم سوف ألف بذيلي على جذع الشجرة وأكلكم جميعًا....) وقد أضحت في ظل ما يقابلها من ردات فعل الأخيرة بإسشارة مهندس الكفاءات الحكومية وملهم الابتكار العلمي والتجاري الترليونير ( إلن مسك) تعمل على نقل إنسانها إلى المريخ تحسّبًا لإنهيار يطال النظام الإيكولوجي للأرض..
فجميع المؤشرات تدل أن أمريكا ما عادت أمريكا الأمس التي يعرفها العالم ذو هيبة وسمعة اقتصادية تناطح السحاب، وإن بدت على هيأتها السابقة فهي ليس إلّا تكابر وتزيح عنها الشبهة، والمعطيات تفيد أنّ العجز المالي يكاد يبتلعها؛ إذ تراجعت القوة الشرائية لمواطنيها ضعف ثلاث مرات على ما كانت عليه قبل عشر سنوات، وأوربا للموقف الأخير المتذبذب أمام روسيا من حرب أوكرانيا على وشك فك ارتباطها بها دفاعيًا واقتصاديًا، وإذا ما تحوّل عنها بيضة القبان ( العرب ) وتمكّنت الصين من كسر حاجز استحواذها على سوق الإنترنت المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية كالذكاء الاصطناعي وغيرها من تطبيقات وخوادم مثّلت لها على العقدين الماضين السلعة الرائجة التي عن طريقها توصل فرض سطوتها الحديدية وهيمنتها على العالم، من المؤكّد بأنّها ستذهب في طريق اللا عودة.
وعلى هذا الأساس إذا القضية الفلسطينية ما زالت أَولى بالمعروف منّا، وكما نعتقد عن طريق الاقتصاد سنخلّصها من القيود المفروضة عليها ونخرجها من القبو، فالفرصة سانحة أمامنا وقد لن تتكرر أبدًا، ما علينا سوى حزم الحزم والتسلّح بالإرادة الفولاذية الصلبة، فليس المطلوب من أضحى أخيرًا على الساحة صانع قرار البقية الباقية من الدول العربية خوض حروب وافتعال أزمات، فقط أن يقرن بصورة علنية تنفيذ صفقاته التريليونية وتعزيز علاقاته مع الامريكان، بمطلب واحد لا ثاني له، وهو تحديد موعد واضح ونهائي لحل الدولتين وتحقيق السلام العادل للفلسطينيين، وما دونه يأذنوا بتدشين عصر جديد للإنسانية قائم على المنفعة المتبادلة مع الشرق... فذلك الذي سيضغط ترامب ويدفعه بصورة مستعجلة لإرغام زعيم الصهيونية المتطرّفة نتنياهو بإيقاف ما يرتكبه ضد سكان غزة من مجازر وإبادية جماعية، وبالكف عن ترّهاته ومشاريعه النازية، وما سوى ذلك من مبادرات محاولات بائسة فهي غير مضمونه ولا يمكنها أن تشقّ للحلف الاستراتيجي الإسرائيلي الأمريكي غبارًا ومن أي جهة كانت ولو بذلنا مقابلها ما بذلنا.