ما كتبه الصديق الصحفي علي منصور مقراط عن احتمالية استقالة رئيس الحكومة الجديد سالم صالح بن بريك، يحمل في طياته أعمق من مجرد تحليل سياسي؛ إنه صوت المواطن الذي يتوق لرؤية مسؤول يتصرف بضمير، ويؤمن أن الكرامة لا تشترى بالمنصب، ولا يُسكت عليها بصكّ شرعية من الخارج.
في حديث مقراط ملمح لمفارقة مؤلمة: رئيس حكومة عُيِّن منذ نحو شهر، لكنه يرفض العودة إلى عدن، المدينة التي تتألم، والتي تنتظر من كل مسؤول أن يلبس خوذة الشجاعة وينزل إلى الميدان، لا أن يبقى حبيس العواصم المكيّفة ومقاعد الاجتماعات العقيمة. فهل الانتظار والصمت هما خطة بن بريك؟ أم أن في صمته غضب مكتوم من واقع باتت تغييره فيه ضربًا من الخيال؟
العزيز مقراط ذهب بعيدًا في تمجيد شخصية بن بريك، مستشهدًا بمسيرته النزيهة كوزير للمالية، خالٍ من شبهة الفساد في بيئة تعفنت فيها المؤسسات. قد لا نختلف مع مقراط في نظافة اليد، لكننا نعلم جميعًا أن المعركة اليوم لم تعد معركة ذمة، بل معركة قرار وموقف وجرأة في زمن تحول فيه كرسي رئاسة الحكومة إلى أداة تصفية حسابات بين المكونات، ومطية للرضا الإقليمي.
اليمن، وتحديدًا عدن، لا تنتظر من رئيس وزرائها أن يكون زاهدًا في المنصب فقط، بل أن يكون قائدًا في قلب الأزمة، حاضرًا في الوجع، شجاعًا في إعلان الحقيقة، صريحًا في كشف العوائق، وجريئًا في تحميل المعرقلين مسؤولياتهم مهما علا شأنهم. الاستقالة وحدها لا تصنع مجدًا، بل يسبقه موقف، وبيان، وكلمة تفضح المسكوت عنه وتكسر دائرة الصمت والتواطؤ.
الاستشهاد بالدكتور فرج بن غانم – رحمه الله – ليس مجرد تلميح عابر، بل هو استدعاء لشخصية واجهت الدولة العميقة، ولم تقبل أن تكون ديكورًا للشرعية الفاسدة، فاستقالت في زمن كانت فيه الاستقالة محرقة. إن بن بريك، إذا قرر الانسحاب، عليه أن يحدد من الآن: هل سينسحب صامتًا كما دخل، أم سينسحب ناطقًا بالحقيقة، كاشفًا للناس من الذي يمنع الإصلاح؟
وختامًا، على مجلس القيادة الرئاسي و”التحالف” – كما يسميهم مقراط – أن يدركوا أن زمن الوجوه الهزيلة قد ولى، وأن هذا الشعب، الذي خرجت نساؤه في تظاهرات يائسة يطالبن بالخدمات والكرامة، لن يحتمل وجوهًا جديدة على مقاس الخراب.
الشعوب لا تحتاج من يترحم على مأساتها، بل تحتاج من يتقدم الصفوف لإنقاذها أو ينسحب بكرامة وكشف للمستور.