لم يكن ما قاله اللواء البحري أحمد عبدالله الحسني سوى تلخيص دقيق لحقيقة باتت تفرض نفسها على الأرض: المجلس الانتقالي الجنوبي لا يمتلك قراره، بل لا يمتلك حتى شجاعة الاعتراف بأنه مجرد واجهة لكيان مرتهن لإرادة خارجية، تتقاطع مصالحه مع تمزيق الجنوب لا تحريره.
وما كشفه اللواء أحمد سعيد بن بريك، رغم تأخره، كان بمثابة “براءة ذمة” متأخرة لرجل عاصر البدايات، لكنه اكتشف أن ما بدأ كشعلة حلم، تحول إلى مشروع سلطوي مناطقي ضيق، يحتكر القرار ويمارس الإقصاء، وينزف من الداخل دون أن يعترف أنه جريح.
اجتماع علي الكثيري الأخير، الذي قُدم كـ”لقاء حوار جنوبي”، لم يكن أكثر من تمثيلية ركيكة الإخراج. قاعة مغلقة، أصوات مكتومة، ووجوه تبحث عن خلاص فردي لا عن مشروع وطني. خرج منها البعض يتنفسون، بينما شعب الجنوب يختنق في الشوارع، تحت قبضة جنود الانتقالي الذين لم يترددوا في قمع نساء عدن في ساعة العروض.
أي سقوط هذا؟ أن تُضرب نساء عدن في وضح النهار، ثم تخرج الأبواق الإعلامية لتحدثنا عن “نصر الحوار” و”توحيد الصف”؟!
المشكلة ليست في غباء الفعل بل في إصرار القيادة على تسويقه كحكمة، وكأن الشعب بلا ذاكرة. المصيبة في “المثقفين الصامتين”، أولئك الذين يرون الخطر القادم، لكنهم يختارون تأجيل الصراحة حتى تحترق السفينة.
أما المزيفين والمنافقين والمطبلين، فهؤلاء ليسوا سوى أدوات ضمن أدوات، يعزفون لحن النهاية على ظهر الجنوب.
اليوم، نكررها بصوت مرتفع: الجنوب ليس مزرعة، وعدن ليست صالة انتظار لفاسدين، والمجلس الانتقالي إذا لم يمتلك الجرأة للانحياز للناس، فعليه أن يرحل.
افتحوا حواراً حقيقياً مع رموز تمتلك مشروع دولة، لا مشروع نهب، أبرزهم أحمد الميسري، وغيره من الشرفاء، أو انسحبوا من مسرحية السلطة وانقذوا ما تبقى من ماء الوجه.
أما الاستمرار في هذا الانحدار، فلن تكون نهايته سوى كارثة، ومن لا يتعلم من سقوط الاشتراكي لن يسلم من لعنة التاريخ.