نحن أمام حالة سياسية مجنونة تستحق أن تُسجَّل في كتب الخيال السياسي المريض بنفس العنوان أعلاه.
وعلى بركة الله، فلنبدأ بتفكيك المسألة من بابها القانوني، قبل أن يغلقه محافظ محافظة لحج، رئيس المجلس المحلي، قائد اللواء 17 مشاة، بالمفتاح ويخترع لمبة حمراء فوق مكتبه، وعبارة بالخط العريض "ممنوع الدخول إلا بتكليف رسمي".
المحافظ التركي، شفاه الله، قرر إصدار تعميم "لا تتعاملوا إلا معي، أنا ومن بعدي الطوفان"، ضاربًا عرض الحائط بقانون السلطة المحلية الذي هو نفسه العمود الفقري الذي أُقيم عليه كرسّي المحافظ، والذي ينص على مبدأ اللامركزية وتوزيع الصلاحيات بين مختلف وكلاء المحافظة لضمان توازن الأداء المؤسسي، وعدم تحول السلطة إلى ماركة مسجلة باسم التركي.
لكن صاحبنا المحافظ قال، لم لا؟ الحكم الرشيد مملّ، والسلطة المطلقة أمتع، وبهذا التعميم، فإنه لم ينسف فقط النصوص القانونية، بل دفنها في مقبرة جماعية بعنوان: "المرحومة، اللامركزية".
القانون ينص على أن الوكيل الأول والوكلاء المساعدين والمستشارين هم شركاء في القرار المحلي، لهم صلاحيات محددة ومباشرة، ولا يحتاجون إذن مرور من المحافظ لممارسة مهامهم. لكن يبدو أن المحافظ قرأ القانون من صفحة الوفيات، أو قلب الصفحة فوجد صورته بالبدلة العسكرية وقال، نعم، هذا هو نص الدستور الحقيقي.
في الرؤية الدستورية، ما قام به هو:
مصادرة صلاحيات السلطة المحلية وتحويلها إلى نظام الفرد الواحد.
إلغاء التراتبية المؤسسية وتحويل الإدارة إلى نظام قائم على الولاء الشخصي، لا الكفاءة ولا الوظيفة.
خلق سابقة قانونية خطيرة تجعل من القانون تحفة ديكور توضع في الأدراج لا المكاتب.
ومن باب التهكم المشروع، إذا استمر المحافظ في هذا الاتجاه، فعلى بقية مسؤولي الدولة في لحج أن يتقدموا بطلب إذن خطي حتى لشراء القات من السوق، طالما أن كل حركة يجب أن تُرفق بتكليف رسمي، وربما نصل لمرحلة تطلب فيها الأشجار إذنًا بالنمو، والطيور تصريحًا بالطيران في سماء لحج.
أخيرًا، يمكننا أن نقترح شعارًا جديدًا لمحافظة لحج..
"لحج.. حيث السلطة لا تُوزَّع، بل تُحتكر – ومع التحية لقانون السلطة المحلية (سابقًا)".
أبلغ تحياتي للديموقراطية، وأحرّ تعازيَّ للامركزية.
وعلى الدنيا السلام،،،