التاريخ لا يُكتب بالصراخ، ولا تُبنى الدول بالخطب، وحضرموت ليست رقعة بيضاء يُعاد تلوينها كلما تغيّرت التحالفات أو تبدلت المصالح. هي كيان أصيل، له خصوصيته، وله كلمته، ولن يقبل أن يكون تابعًا لأي مشروع، لانه اختار طريق إعادة قيام دولة حضرموت.
اليوم، وأمام دعوات الترويج للضم القسري أو الإلحاق السياسي، القادمة من جنوب اليمن، التي انستهم قضيتهم مع الشمال، يرفع الحضارم صوتهم بوضوح: نحن نقرر مصيرنا، ولسنا تابعين لأحد. فليعلُ صراخ الجنوب كما يشاء، ولكن حضرموت ستبقى حيث تريد، لا حيث يُراد لها أن تكون.
ما يجب أن يفهمه الجميع — دون لبس أو مجاملة — أن حضرموت لن تُلحق بكيان الجنوب لا اليوم، ولا غدًا، ولا بأي صيغة. من أراد التعامل مع حضرموت، فعليه أن يدرك أن لأبنائها كلمتهم، وقرارهم، وطريقهم.
هذه ليست دعوة للانعزال، بل تأكيد على الحق الطبيعي في تقرير المصير بعيدًا عن الضجيج، بعيدًا عن الهيمنة، بعيدًا عن مشاريع التمدد التي ترتدي لباس "القضية".
رغم تصاعد الأصوات المنادية بضم حضرموت إلى كيان "الجنوب"، ورغم ارتفاع وتيرة الخطابات السياسية والشعبوية القادمة من مناطق التحكم بجنوب اليمن، فإن الحقيقة تبقى ثابتة لا تتزحزح: حضرموت ليست ولن تكون جزءًا من مشروع جنوب اليمن باي صيغة كان، ومهما كانت أشكاله وشعاراته.
في كل مرة ترتفع فيها الأصوات الجنوبية المنفرة بأسلوب الفلسفة الغبية التي يتظاهرون فيها بشرح ان حضرموت فرع يتبع الأصل في الضالع ويافع، تأتي المواقف الحضرمية واضحة وجازمة: لا وصاية، لا تبعية، لا خضوع مجددا. لان هذه المحافظة – الدولة - العريقة، بثقلها التاريخي والجغرافي والاقتصادي، ترفض الالتحاق بمشاريع سياسية مزاجية.
من السهل أن تنادي بضم حضرموت وأنت تتحدث من الضالع ، ولكن من الصعب أن تُقنع الحضارم بأن حضرموت جزء، حضرموت لا تريد أن تكون بندًا في موازناتكم، ولا سلعة في سوق تحالفاتكم، انها الدولة التي تضم ثلث مساحة اليمن وأكثر، ليست بحاجة إلى من يضعها في آخر سطر بياناته.
حضرموت اليوم، بمكوناتها الاجتماعية والقبلية والسياسية، أكثر وعيًا من أن تُساق خلف مشاريع مناطقية أو دعوات اصطفاف تخفي المكر والخديعة لحضرموت وشعبها ، فلن يجدي نفعا ان يكون صف الواجهة في المجلس الانتقالي من الحضارم، فهم مجرد دمى تحركها ايادي من تحت الطاولة. وسيعودون يوما ما الى صف مشروع دولة حضرموت، لكن منكسي الرؤوس.
فما كان يمكن تمريره بالأمس لم يعد ممكنًا اليوم. الوعي الحضرمي اليوم أقوى من أي وقت مضى، وأبناء حضرموت يدركون تمامًا حجم المخاطر التي تحيط بحضرموت. ولن يقبلوا بعد اليوم ان يكونوا جزء من منطقة تعرض تاريخها وحدودها لكثير من الزييف، خلقت الكثير من الصراعات التي لن تكون لها نهاية، فلا المثلث جنوبي ولا محافظة شبوة هي شبوة التاريخية، فشبوة التاريخية منطقة أثرية في عرما الحضرمية التي ستنتهي عندها وعند ميفعة حدود دولة حضرموت، وما بعدها فهي مناطق كانت سبائية تتبع مارب. والمثلث منطقة تتبع شمال اليمن بامتياز.
في خضم تصاعد الضجيج الاعلامي من جنوب اليمن، ووسط محاولات محمومة لإعادة رسم الجغرافيا بالغوغائيين، تقف حضرموت موقفها الثابت، الواضح، والرافض لأي مشروع يسعى إلى ضمها قسرًا إلى كيان "الجنوب" تحت أي مسمى كان.
الحضارم لا يصرخون، بل يتكلمون بثقة. لا يهددون، بل يقررون. وهم اليوم أكثر من أي وقت مضى، يقولونها بملء الصوت: حضرموت ليست جزءًا من الجنوب، ولن تكون. فلا القوة التي يُلوّح بها البعض، ولا الخطاب التعبوي الذي يُضخّ عبر المنصات، قادران على أن يغيروا من عقيدة الحضارم.