في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه اليمن، يبقى الفساد أحد أخطر الآفات التي تهدد ما تبقى من مؤسسات الدولة وتقوض أسس التنمية والاستقرار، وقد أدى هذا الفساد بمستوياته الإدارية والمالية إلى هدر الموارد العامة، وتعطيل المشاريع الخدمية، وزيادة معاناة المواطنين في مختلف المحافظات اليمنية.
وبات من الضروري أن يتحول الشباب من متفرجين على واقع الفساد إلى قوى فاعلة في مقاومته وكشفه، والدفع نحو مستقبل أكثر شفافية وعدالة.
وأول واجب على عاتق شباب اليمن هو الوعي بطبيعة الفساد ومظاهره، لأنه لا يمكن محاربة ما لا يُفهم، ولهذا فإن إدراك أساليب الفساد، من التلاعب بالتوظيف والمناقصات، إلى اختلاس المال العام وسوء الإدارة، تمثل الخطوة الأولى في أي مواجهة ناجحة.
كما يجب على الشباب أن يكونوا واعين ما تملكه البالد من ثروات ومقدرات، فاليمن بلد غني بالموارد الطبيعية، من ثروات بحرية ونفطية وزراعية وسياحية، لكن هذه الإمكانات تُبدد بسبب غياب الشفافية وتفشي الفساد، حتى أصبح البلد ضحية لسوء الإدارة ومجموعة من المسؤولين الفاسدين.
ومن أخطر ما يعزز الفساد في مؤسسات الدولة هو التطبيل الأعمى للمسؤولين ومدحهم، وغياب الرقابة والنقد البناء، فحين يعامل أداء الواجبات الوظيفية وكأنه إنجاز بطولي، فإن ذلك يطبع الفساد في أذهان الناس ويفقدهم القدرة على التمييز بين الكفاءة والفساد.
وفي كثير من المحافظات اليمنية، يتحول بعض المسؤولين إلى رموز لا يجوز انتقادهم، لا لتميزهم، بل بفعل حملات ترويجية تديرها جماعات مستفيدة من هؤلاء المسؤولين، وهذا السلوك يُضعف الرقابة، ويجعل من الفاسدين أشخاصا محصنين شعبيا، ما يعطل عملية الرقابة والمحاسبة.
وبسبب ذلك يجب على الشباب تعزيز ثقافة محاسبة المسؤول وعدم تمجيده إلا بقدر ما يخدم السكان وبقدر نزاهته، وتوعية المواطنين لرفض ثقافة التطبيل التي تحجب الحقيقة وتمنح الغطاء للفساد.
ظاهرة أخرى تعيق محاربة الفساد في اليمن هي التعصب القبلي للمسؤولين وهذه المشكلة يدركها أبناء المجتمعات القبلية في اليمن، لان الولاء الضيق يمنح بعض المسؤولين حصانة غير رسمية، تشجعهم على التمادي في الفساد وهم واثقون أن قبيلتهم أو المناطق المنتمين إليها ستقف معهم ضد أي محاسبة أو عقاب، ومن هنا يجب على الشباب، خاصة المثقفين والناشطين، أن يفصلوا بين الانتماء القبلي والمسؤولية العامة، ويعملوا على ترسيخ قيم القانون والحرص على محاسبة الفاسد بغض النظر عن قبيلته أو منطقته.
أخيرا من المهم أن لا يقف شباب اليمن موقف المتفرج من الفساد، فهم أول ضحاياه، ولذا يجب أن يكونوا رأس الحربة في مواجهته، فهم الأقدر على القضاء عليه، لأن وعيهم، وتنظيمهم، واستعدادهم لخوض معركة النزاهة، هو ما سيحدد مستقبل اليمن وإدراكهم الكامل بخطورة التطبيل والتعصب، وفهمهم العميق لثروات البلد ومقدراته، سيكون طوق النجاة حتى وإن كان على المستوى البعيد لأنها أسباب تعزز دورهم الفعال لا مجرد متفرجين