آخر تحديث :الأربعاء-02 يوليو 2025-02:14ص

قناة الهوية.. إعلام التفاهة وعداء الصحافة

الأربعاء - 04 يونيو 2025 - الساعة 06:40 م
صهيب المياحي

بقلم: صهيب المياحي
- ارشيف الكاتب


إنهم يشعرون بالعار. نعم، بالعار العميق والمربك، لأنه رغم كل ما امتلكوه من أدوات السطو والسيطرة، لم يمتلكوا شيئًا واحدًا: صحفيًا واحدًا يمنحهم ولاءه. لم يمتلكوا حرفًا حرًا، ولا ضميرًا يُشترى. إنهم غرباء عن الصحافة، عن شرف الكلمة وعن أخلاقيات المهنة، حتى وهم يحاولون التزيي بلباس الإعلام، لم يفلحوا سوى في تدنيسه. حوّلوا الكاميرا إلى بندقية، والمايكروفون إلى أداة تحريض، وقناة الهوية إلى منبر كراهية. الإعلام لديهم مجزرة بصرية، دعائية، منحطة.


لقد سطوا على الدولة وكمموا الأفواه، ومع ذلك، ظل الصحفيون خارج دائرتهم الملوثة. لم ينجحوا في إغواء صحفي حر واحد. لأن الحرية لا تُروّض، ولأن الكلمة لا تُباع في سوق العبيد، ولأن الصحافة وُجدت لتكون ضدهم، لا معهم؛ فجنّ جنونهم.


ولأنهم لم يستطيعوا أن يكونوا صحفيين، قرروا أن يصبحوا سفهاء ومسيئين للصحفيين. ولأنهم فشلوا في كسب الكلمة، قرروا ذبحها. هم لا يحتملون وجود مَن يقول "لا"، لأنهم تربّوا على القمع، ونشأوا في بيئة العبودية الفكرية، فكل صوت حر يُشعرهم بصغرهم، كل قلم صادق يصفعهم، كل صورة توثق جريمتهم تفضح هشاشتهم. لذلك لجأوا إلى التشويه، إلى الكذب الممنهج، إلى أدوات مثل "قناة الهوية"، التي لا تملك من الهوية سوى الكراهية، ومن الإعلام سوى الغلاف، أما المضمون فمسموم، وضيع، نتن.


هذه السلالة المحشورة بالحقد، التي خرجت من كهوف الظلام محمولة على أحقاد التاريخ، لا ترى في الصحفي إلا خصمًا أبديًا. منذ أن ولجت إلى العاصمة، وهي في حالة عداء مفتوح مع الحقيقة. ومنذ أن ارتفعت أعلامها السوداء، انخفض منسوب النور، واختنق الهواء، وتحوّلت البلاد إلى زنزانة كبيرة. الصحفي في نظرهم مشروع خائن، لأنهم لا يفهمون المعنى الحقيقي للانتماء، ولا يدركون أن الانتماء الأول للصحفي ليس لحزب ولا لسيد، بل للحقيقة. ولذلك، كان لا بد أن يحاولوا تشويهه، تدميره، سحقه.


لكنهم فشلوا، وسيفشلون. لأن الكلمة لا تُكسر، ولو انكسر صاحبها. لأن الصوت الصادق لا يُدفن، ولو دُفن الجسد. ولأن عبدالملك الحوثي_مهما تغنّى بالمظلومية_ يبقى قبيحًا في جوهره، دجالًا في خطابه، كاذبًا في كل ادعاءاته. هذا الذي يتحدث عن العدالة، ويمارس الطغيان، الذي يتبجح بالإيمان، ويدير سجونًا للتعذيب، الذي يردد ترانيم الزهد، بينما يراكم المليارات. هذا الذي يكره الكاميرا لأنها لا تكذب، ويكره الصحفي لأنه لا يسجد، ويكره السؤال لأنه لا يملك إجابة.


سنظل نعريه. سنظل نكشف زيفه وزيف مليشياته، سنظل نحمل الكلمة كسلاح، والصورة كرصاصة، والنص كجبهة مقاومة. لن نصمت. لن نرتجف. لن نخون.


الصحافة ليست مهنة لمن يطلب رضا السادة، إنها صرخة في وجههم.