آخر تحديث :السبت-14 يونيو 2025-08:46م

صراع الأقطاب.. قراءة سننية!

الجمعة - 13 يونيو 2025 - الساعة 04:03 م
عبدالرب السلامي

بقلم: عبدالرب السلامي
- ارشيف الكاتب


من مصلحة الأمم النامية والقوى الصاعدة، أن تتعدد الأقطاب الدولية، وأن يبقى الصراع بينها في حالة توازن القوة، فذلك يتيح للقوى الأضعف هامشا للحركة وفرصا لبناء الذات، ويفتح أمامها نوافذ للعبور والصعود، وتشكيل المشاريع المستقلة كطرف ثالث.


أما إذا إذا صُفِّيَت الساحة لصالح طرف أوحد، فإن الغلبة المطلقة ستتحول إلى طغيان متوحش، ويصبح الطرف المنتصر طاغوتا مطلق اليد، لا يردعه رادع، وتصبح الأمم النامية والقوى الناشئة هي الأكثر خسارة في الوضع الجديد، إذ لا ضرورة تحتم على الطرف المنتصر الاعتراف بها، فضلا عن التخادم معها.


بل المتوقع -وفق قانون التوحش- أن يعمد الطرف المنتصر، لا سيما إذا كانت عقيدته السياسية متجردة من القيم، إلى تجريف الهويات وسحق المشاريع المختلفة معه، بلا رحمة. وهذا هو معنى الفساد في الأرض، كما أشار إليه القرآن الكريم: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ).


لقد أدرك المسلمون الأوائل، وهم في مكة، هذه السنة الكونية، فاستشعروا خطر اختلال توازن القوة بين قطبي العالم أنذاك، فارس والروم، فحزنوا لهزيمة الروم، ليس حبا في الروم، ولكن لإدراكهم خطر التحديات التي ستواجههم كأمة ناشئة ومشروع صاعد في حال تفرد قطب أوحد بقيادة العالم.


لقد كان صراع القطبين، وتوازن القوة بينهما، فرصة للدعوة الناشئة في قلب جزيرة العرب، وقد أحسن المسلمون الاستفادة منها، فسابقوا الزمن في بناء مشروعهم، دون أن "يتكيسروا" أو "يتقيصروا"، حتى تحقق لهم التمكين، وأسقطوا الامبراطوريتين معا، في بضع عقود.

إنه فقه سنني ملهم، ما أحوجنا إلى استيعابه اليوم، في زمن اختلطت فيه مفاهيم النصر والهزيمة.