في ليل لا يشبه الليالي، حين توارت النجوم خلف دخان نازف من عمق طهران، وفيما كانت المآذن تستعد للفجر، انهالت الصواريخ الإسرائيلية على معاقل كانت حتى الأمس تحسب نفسها عصية على الانكشاف، سقط الزجاج وارتعدت الجدران، وتشققت صور القيادات التي لطالما ادعت القدرة على قصف عمق الكيان الصهيوني، وفيما كانت صرخات الرعب تصعد من دهاليز النظام، لم يكن الحوثي في صنعاء يسمع إلا أصداء ضربات تزلزل أصل الجذر الذي يستمد منه وهم القوة.
من قلب غرف نوم الكبار، حيث تُحاك المؤامرات وتُنسج الخطط الجهنمية لتمزيق اليمن وسحق حلم شعبه بدولة مستقرة، جاء الصوت واضحاً هذه المرة، الإمبراطورية تتهاوى من داخلها، ذلك الصنم الحديدي الذي ظن نفسه ظل الإله على الأرض، خرج إلى الناس عارياً، لا يحمل سوى خيبته، إسرائيل التي لطالما توعدها النظام الإيراني بلغة خشبية جوفاء، ضربت بعمق، ولم تكتفي برسائل رمزية، بل ضربات طال بعضها رموز الحرس الثوري أنفسهم، أولئك الذين يرسلون السلاح والمستشارين والمال إلى ميليشيا الحوثي، بينما يختبئون خلف جدران سميكة صنعها الخوف لا الأمن.
لم تعد إيران اليوم إلهاً شرقياً يملك زمام الشعوب، بل مخلوق عجوز أُكل الشعار من وجهه، وأصاب قلبه العفن، ضربات الكيان الإسرائيلي لم تكن ضربات طائرات فحسب، بل كانت صفعات مدوية على وجه مشروع إمبراطوري مهترئ، ومع كل صاروخ كان الحوثي في صنعاء يخسر ظله ووهمه، يخسر مصدر الحياة الذي كان يتغذى عليه كطفيلي مزمن.
أين الحوثي اليوم من داعمه الذي يُجلد في عقر داره؟ هل ما زال يصدق خطابات النصر؟ أم أنه بات يعرف في خلواته الدامية أن ساعة الحقيقة قد اقتربت؟ فيما اليمني البسيط يُدرك الآن أن العمامة السوداء التي تلوث سماء إيران الآن، لم تعد قادرة على إضاءة شمعة في نفق صنعاء.
وهنا يجب أن تُرفع الرايات، رايات الحسم والانقضاض، الشرعية اليمنية التي طالما تقوقعت خلف الشرعية الدولية، أمامها اليوم فرصة تاريخية لا تُشترى بالذهب ولا تُمنح في المؤتمرات، إنها الفرصة الذهبية التي لا تتكرر، فما حدث قد يكون مؤشراً لسقوط العرش، ولذا يجب أن يُكسر التاج.
نناشد الشرعية اليوم، بضرورة أن تتقدم، لا ببيانات الخطابات، بل بقرارات الفعل، فالحوثي الذي كان يتغذى من سُرة النظام الإيراني، بات اليوم مثل رضيع مفطوم، يصرخ بحثاً عن الحليب بعد أن جف كل شيء، وربما بات الثدي نفسه يبحث عن حليب يبل ريق صاحبه.
ختاماً:
آن لنا أن نُدرك أن كسر الحوثي يبدأ من انكشاف إيران؟ وبأن كسر العصا يبدأ من كسر اليد التي تمسك بها؟ ولذا لا سلام في اليمن دون اقتلاع الجذور، ولا اجتثاث للجذور دون أن تُستغل اللحظة حين يتهاوى أصل الشجرة، إنها لحظة الحقيقة فلا تخذلوها.