لإلقاء الضوء على تلك القمة الهامة ونتائجها الأكثر أهمية كان لا بد من تناولها من الزاوية الحضارية ممثلة بالاجراءات البرتوكولية التي صحبت القمة وذلك عبر الزوايا الآتية :
~الطرف الأول : مملكة سبأ اليمنية ممثلة بالملكة بلقيس
~الطرف الثاني : مملكة أورشليم السليمانية ممثلة بالملك سليمان بن داوود
~الزمن : القرن العاشر قبل الميلاد
~المكان : أورشليم عاصمة المملكة السليمانية
~ترتيب مملكة النبي سليمان : الأولى عالميا لوجود النبي بن النبي وتحقق دعائه بأن يهبه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .
~ترتيب مملكة سبأ : الأولى مكرر عالميا لغياب النبي والنبوة والمعجزة التأسيسية لكن الله اختص هذه المملكة وأهلها بصفة تغطي فارق النبوة بينها وبين مملكة سليمان بل ربما تتجاوزه من حيث التعدي زمانا ومكانا هذه الصفة هي الوصف الذي أطلقه الله على السبئيين بقوله تعالى : ( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية)
حيث نفى الله عنهم تبعيتهم لأحد وبرأهم من الالحاق بأي عرق ونزههم عن إضافتهم لشخص أو جهة أو تكتل وذلك بعدم وصفهم نسبتهم ب (قوم) إلى أحد البتة في إشارة بالغة إلى رقيهم وتقدمهم وإنسانيتهم وحضارتهم .
على عكس بقية الأمم التي وصفها الله جميعا إما بالالحاق أو التبعية أو العصبوية بلفظ (قوم) كقوله تعالى على سبيل المثال لا الحصر (قوم فرعون وقوم لوط وقوم هود) وغير ذلك ..
الملفت في هذه القمة ليس أهميتها ونتائجها فحسب !
بل الملفت هو : الاجراءات البرتوكولية المنظمة التي تمت قبل وأثناء ومع نهاية هذه القمة والنتائج المترتبة عليها حيث كان الابداع والتحضر أشبه بالإعجاز لدى مملكة سبأ .
والجدير بالذكر أنه تم التوقيع من قبل الدول تباعا على الوثيقة المنظمة للبرتوكولات الديبلوماسية والعلاقات بينها في العام ١٩٦١م من القرن المنصرم فيما عرف باتفاقية فيينا والتي أصبحت ولا زالت جزءا من مواثيق الأمم المتحدة السارية المفعول إلى يومنا هذا وذلك بعد حربيتين عالميتين داميتين أجبرتا عقلاء العالم على البحث عن حلول في هيئة قوانين ومعاهدات تنظم الاجراءات وتؤكد على الأعراف التي ينبغي أن تسود في علاقات الدول للحد من
الحروب والصراعات الدامية .
ومع ذلك لم تصل بنود تلك الاتفاقية الدولية وتحديثاتها لم تصل إلى ذلك المستوى من الرقي والشمول الذي استخدُم في مملكة سبأ اليمانية .
وهنا نتناول طرفا من تلك البرتوكولات المعمول بها في زيارة الملكة بلقيس وفي قمتها مع النبي سليمان عليه السلام من حيث :
-الرسائل المتبادلة : تمت عبر خطابات حملها المبعوثون بين الطرفين
-الهدايا : تمت على دفعتين من قبل الملكة بلقيس أولاها مع وفدها الذي بعثته إلى الملك سليمان والثانية أثناء زيارتها للنبي سليمان بنفسها .
-الهدايا القيمة : كانت
البخور والطيب والعطور والتحف والألبان والحرير والديباج والحلل المرصعة بالألماس والسيوف المذهبة
وأواني الفضة وغيرها من الغالي والنفيس
-الترتيب للزيارة : تم عبر الوفود والمراسلات
-الشورى : تمت بالممارسة من الملكة بلقيس مع قومها بالشكل الذي خلده القرآن
-الوفد المرافق : تم عبر كبار الشخصيات وقادة الجيش ووجهاء القوم
-السكن والإقامة : تم ترتيبه على أكمل وجه
-الاستقبال : تم عبر نوعين
١- رسميا عبر سليمان بنفسه وبصفته ملكا وليس نبيا
٢-شعبيا جماهيريا
-الحفلة : أقيمت حفلات متعددة ومتنوعة أقامها النبي سليمان على شرف الملكة الزائرة
-جدول الأعمال : تم إقراره من الطرفين ممثلا في مضامين الرسالة التي حملها الهدهد
-أجواء المحادثات : كانت ودية وشفافة وصادقة
-المتحدثون : رئيسا الدولتان (ملكا المملكتان)
-نوع المحادثات : كانت مغلقة
-تحديد الألفاظ : تم ذلك من قبل المختصين لدى كل طرف
-التفاوض : تم وبشكل ناجح ومنقطع النظير
-التفاهم : كان سائدا
-المؤتمر الصحفي :
تم من طرف واحد تحدثت فيه الملكة بلقيس حديثا مقتضبا أوجزت فيه وبلغة ديبلوماسية راقية حيث اكتفت ب : (رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) فقد وجهت الخطاب هنا لربها بذكاء خارق ثم قالت بحنكة السياسي المتمرس : (وأسلمت مع سليمان) ولم تقل أسلمت لسليمان أو تابعت سليمان أو استجبت لسليمان بل إختارت اللفظ (مع) في إشارة هامة للندية والتكافؤ وإيراد لفظ المعية قمة الدهاء وذروة الحصافة وكأنها تقول دخلت الإسلام قبل قليل مع سليمان في لحظة واحدة بحيث سحبت عن نبي الله سليمان هنا أي أسبقية أو أفضلية أو خصوصية وأكدت ذلك بقولها : (لله رب العالمين) فالرب رب العالمين أجمعهم وليس ذا حاشية وحجاب !
-المعاهدات : تم توقيع معاهدات حول الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي منهما واحترام سيادة الدول والممالك وحق كل شعب في اختيار نظام حكمه .
-النتائج : تحقق المصالح العليا بما فيها التوحيد والتكامل المتبادل والعلاقات الثنائية والتعاون المشترك وتبادل الخبرات في جميع المجالات .
من هنا ندرك أن اليمن أصل الإنسانية جمعاء وليس أصلا للعرب وحدهم ! .
بقي السؤال :
أكووو عرب ؟ !