في خضم التصعيد العسكري المتبادل بين إسرائيل وإيران ، ووسط التوترات ، التي تمتد من غزة إلى جنوب لبنان ، ومن مضيق هرمز إلى البحر الأحمر ، يبرز سؤال مهم ،
لماذا لم تقدم إسرائيل حتى الآن على استهداف قيادات الصف الأول للحوثيين ، وعلى رأسها عبد الملك الحوثي ؟ كما فعلت مع قيادات حزب الله في لبنان ، ومع قيادات النظام الإيراني العسكرية والأمنية والاستخباراتية وعلماء إيران النووين .
العامل الجغرافي من أبرز العوامل ، التي تجعل إسرائيل تتعامل مع الحوثيين بصورة مختلفة عن تعاملها مع حزب الله ؛ فحزب الله يتمركز على حدود إسرائيل الشمالية ، وهو ما يجعل وجوده تهديدا مباشرا ويوميا للأمن القومي الإسرائيلي ، بينما يتموضع الحوثيون في جنوب الجزيرة العربية بعيدا جغرافيا عن حدود الكيان الإسرائيل ؛ هذا البعد المكاني يقلل من مستوى التهديد المباشر ، الذي يشكله الحوثيون على إسرائيل ، على الأقل من منظور الجغرافيا العسكرية التقليدية ، وحتى عندما أطلق الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل ، فإن الأثر العملي لتلك الهجمات ظل محدودا ، ولم يشكل تهديدا استراتيجيا حقيقيا بالمقارنة مع ما تمثله جبهة الجنوب اللبناني .
تدرك واشنطن وتل أبيب ارتباط الحوثيين الوثيق بإيران ، لكنهما تتعاملان مع الحوثيين من زاوية مختلفة ؛ زاوية التأثير على ممرات الملاحة الدولية ، أكثر من اعتبارهم تهديدا وجوديا لإسرائيل ؛ لذلك فالتقدير الاستراتيجي الإسرائيلي يذهب إلى أن مواجهة الحوثيين يمكن أن تتم بأسلوب الاحتواء المتدرج ، وليس المواجهة المباشرة أو الضربة القاصمة ، على عكس ما نفذته إسرائيل مع حزب الله .
إبقاء الحوثيين كقوة متمردة في خاصرة السعودية، يصب في مصالح واشنطن وتل أبيب معا ، بوصفهم ورقة ضغط يمكن استخدامها لابتزاز المملكة ، وعامل
توازن إقليمي ، يبقي السعودية في حالة استنزاف أو قلق دائم ، سيما بعد عودة العلاقات الدبوماسية بين الرياض وطهران برعاية صينية .
من المؤكد إذا تجاوز الحوثيون ضرباتهم الموجهة لإسرائيل من ضربات رمزية محدودة التأثير إلى ضربات تلحق بإسرائيل خسائر فادحة ، حينئذ لا نستبعد أن تقدم إسرائيل على استهداف رموز وقيادات من الصف الأول للحوثيين ، تأجيل إسرائيل لهكذا استهداف حتى اللحظة الراهنة لا يفسر بضعف استخباراتي أو عجز عملياتي ؛ فإسرائيل تملك من الوسائل الاستخباراتية والتقنية ما يجعلها قادرة على تنفيذ اغتيالات معقدة ، وأبرز دليل على ذلك ما قام به الموساد الإسرائيلي من اغتيالات وعمليات عسكرية دقيقة ومؤثرة داخل العمق الإيراني .
سيستمر قرار إسرائيل السياسي والعسكري تجاه الحوثيين في هذه المرحلة الراهنة مرهونا بكونهم أداة مزعجة أكثر من كونهم عدوا محوريا ذا تأثير وجودي على إسرائيل ، إلى ان يزداد خطرهم وترتفع كلفة بقائهم ؛ سيكون لتل أبيب ومن خلفها واشنطن رأي آخر .
عبدالواسع الفاتكي