استقرار الدولة لا يبدأ من حدودها، بل من قلبها النابض: نظامها المالي. وحين يكون هذا القلب مضطربا، فإن الجسد بأكمله يرتجف. فكيف لو كانت الدولة فاقدة للسيطرة على عصب اقتصادها؟ كيف لو كان البنك المركزي ـ المفترض أن يكون الحارس الأمين على العملة ـ هو أول من يعترف بعجزه، ويقف بلا حياء في مزاد علني يبيع فيه ما تبقى من كرامة العملة الوطنية؟
ما يحدث في بلادنا لا يمكن وصفه إلا بالمهزلة، بل هو فاجعة اقتصادية تتستر خلف عناوين براقة مثل "تنظيم السوق"، "ضبط السيولة"، "مراقبة العرض والطلب"... بينما الحقيقة أن العملة المحلية تُذبح كل يوم في مزادات الجوع التي لا تزيد الناس إلا فقرا، ولا تزيد العملة إلا انهيارا.
لا يوجد بنك مركزي في العالم يخلو من عملته، فحتى بقالة في شارع فرعي لديها سيولة من فئة بلدها، بينما بنكنا المركزي لا يملكها، ويبحث في الأسواق السوداء عن بقايا ما تجود به البنوك الخاصة، ثم يعود ليمارس دوره كمضارب لا كمؤسسة نقدية.
من المفترض أن يكون البنك المركزي صمام الأمان، لكنه تحول إلى مضخة للقلق، وبدل أن يُعيد الثقة في الريال، أصبح من أهم أدوات تدميره. فهل هذه سياسة مالية؟ وهل هذا اقتصاد دولة؟ أم أن هناك خيانة مبطنة تتسلل من تحت الطاولات، تُدار بهدوء ودون ضجيج، لكنها تقتلنا كل يوم؟
أنا لست اقتصاديا، ولا مصرفيا، ولا أدعي فهما عميقا في علم المال، لكنني أملك ما يكفي من البصر والبصيرة لأرى أن ما يحدث عبث ممنهج، وأن وراء كل "مزاد" يعلن، جيوبًا تنتفخ، وجوعا يتسع، وعملة تتآكل.