تمر بيحان، كبرى مديريات محافظة شبوة وأكثرها كثافة سكانية، بأسوأ مراحلها، محشورة بين ثلاثة أضلاع، أولها الحرب على أطرافها، وثانيها الثارات المشتعلة، وثالثها العادات الدخيلة على المجتمع كإطلاق الرصاص في الأفراح في الهواء. هذا المثلث ذو الأضلاع الموجعة الذي يحصد أرواح الشباب والأبرياء، فإذا كانت الحرب قدرًا منذ عشرة أعوام وتُبذل الأرواح من أجل قضية وطن، فإن الثارات لا تعرف غريمًا بل تعرف الطارف غريمًا، اقتل بريئًا ينوب عن الجاني، في خرقٍ للدين والقيم الإنسانية.
وأما الراجع، وما أدراك ما الراجع، فيتم التباهي بإطلاق الرصاص في السماء ليعود على رؤوس الأبرياء، ويتم تأبّط السلاح من قبل أطفالٍ قصّر لا يستطيعون السيطرة عليه، ويصعب عليهم ضبط ماسورة المقذوفات التي تميل شيئًا فشيئًا لتذهب المقذوفات صوب زميلٍ له، أو صوب جماعةٍ من الناس المتواجدين في العرس أو الموكب أو غيره، فتحصد الأنفس، ليُعرف القاتل، أو تُقيد ضد مجهول.
وكان لزامًا عليّ إيراد هذه المقدمة قبل الخوض في قضية مقتل الطفل أحمد درويش علي عوض غانم، الذي قُتل في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك على يد عبدالله محمد قطمان الخمار، أثناء شواعه في إحدى الزواجات بسبب الإطلاق العشوائي للرصاص.
حيث وصلت قبيلة القاتل "آل الخمار" إلى قبيلة الضحية "آل مطهر" يوم أمس الأول 2025م، محكّمين لهم فيما حكموا به، مصطحبين معهم ما يلزم من أسلحة وأموال. في تلك اللحظة حضرت النخوة والتسامح الذي أوصى به ديننا الحنيف، والقيم الأخلاقية والإنسانية، وإكرامًا للوفود الحاضرة من مختلف المناطق والقبائل، سَمَوا على جراحهم، ليُعلن الشيخ علي عبدالله عقيل مطهر العفو والسماح عن قاتل ولدهم لوجه الله، وأعلن إعادة كل ما أحضره الطرف الآخر من أموال وسلاح إليهم، ولا يريدون منهم شيئًا، شاكرين كل المشائخ والشخصيات التي حضرت، وفي مقدمتهم وكيل محافظة شبوة العاقل الفاطمي.
في تلك اللحظة، انبرى الشيخ حسين عبدالله الخمار برفع الراية البيضاء لآل مطهر، مشيدًا بهذا الموقف الإنساني الرائع، وبهذا العمل ارتقت بيحان إلى أعلى درجات النبل والتسامح، وضمدت جراحها بهذا الموقف الشريف، ومسحت به دموع الأمهات، ورفعت به درجات الأم المكلومة على نجلها أحمد درويش علي غانم، الذي سقط بريئًا، حافظًا للقرآن الكريم، تحفه دعوات كل من عرفه أو لم يعرفه، والذي ستزفه ملائكة الرحمة إلى فردوس الجنة إن شاء الله.
وبدورنا، نشيد بهذا الموقف المشرف، ونشيد بجهود من سعى وحضر.
نسأل الله أن يربط على قلب أم أحمد ووالده وكل الأسرة، وأن يُخلف لهم ما فيه الخير.
