آخر تحديث :الثلاثاء-01 يوليو 2025-02:22ص

الحوثي وإيران: شراكة في الإرهاب وتمزيق الأوطان

الأربعاء - 25 يونيو 2025 - الساعة 06:02 م
عبدالجبار سلمان

بقلم: عبدالجبار سلمان
- ارشيف الكاتب


لم يعد اليمنيون بحاجة لمن يشرح لهم نوايا إيران، فقد خبروها في لحمهم ودمهم، وذاقوها نارًا ولهيبًا في كل قرية ومدينة. لم تكن طهران يومًا بعيدة عن مشهد الخراب، بل كانت حاضرةً فيه حضورًا كاملاً: تخطيطًا، تمويلًا، تحريضًا، وتسليحًا. وكل رصاصة أُطلقت على مواطن يمني، وكل بيت تهدم، وكل مدرسة دُمّرت، وكل مسجد فُجّر، وكل روح أُزهقت ظلماً، كانت يد إيران حاضرة خلف الستار، تدفع وتحرّض وتغذي آلة الموت الحوثية. لم تكن إيران مجرد طرف خارجي، ولا “خصم سياسي” كما يحاول البعض أن يصورها. بل كانت ولا تزال رأس الأفعى التي نفثت سمّها في اليمن، وعبره، في كامل المنطقة. لقد سلّحت طهران ميليشيا الحوثي، ودرّبتها، وموّلتها، وزوّدتها بصواريخ وطائرات مسيّرة، وغذّتها بخطاب طائفي يهدد النسيج اليمني برمّته. كل جريمة ارتكبتها هذه الميليشيا ضد أبناء الوطن كانت تنطلق من حاضنة فكرية ودعم عسكري واستخباراتي مباشر من إيران. وفق تقارير ميدانية موثوقة ومنظمات دولية مستقلة، تسببت ميليشيا الحوثي، المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، منذ إنقلابها على الدولة في عام 2014 في مقتل أكثر من نصف مليون يمني، وتشريد الملايين، واختطاف آلاف المدنيين وتعذيبهم وتصفيتهم بطرق وحشية. تفجير المدارس والمساجد والمستشفيات، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، وتجنيد الأطفال، باتت أدوات يومية لهذه الجماعة الطائفية المسلحة، التي لا تؤمن بالوطن ولا بالسلام، بل بمشروع ولاية مرتهن لإرادة طهران. إنه مشروع تفكيك شامل، يستهدف الدولة والمجتمع، ويضرب عمق الهوية الوطنية. الحوثي لم يكن في يوم من الأيام مكوّنًا سياسيًا، بل أداة تخريب عقائدية ومسلحة، تُدار من خارج الحدود، وتحمل في يدها سيف الانتقام لا راية الوطن. كيف يُطلب من اليمني الذي دُمر بيته، أو قُتل والده، أو اختُطفت ابنته، أن يتعامل مع الحوثي كطرف سياسي ؟! إن الحديث عن الحوثيين كـ”طرف يمكن التفاهم معه” هو قفز على الدم اليمني، وإهانة لتاريخ شعب قاوم المظلومية والتخلف والكهنوت منذ عقود. اليمنيون عاشوا عشر سنوات مريرة مع الحوثي، رأوا فيه كل وجوه الشر: القاتل والمخادع، الجلاد والعنصري، الناهب والمحتال، المضلِّل والكاذب. جماعة مسكونة بهوس الهيمنة، تنتمي فكريًا للعصور الظلامية، وتعمل بوقاحة لإعادة إنتاج طبقة كهنوتية تسلب الإنسان كرامته وحقوقه. لقد آن أوان نهاية الحوثي وهي نهاية لمرحلة حالكة في تاريخ اليمن، مرحلة اتسمت بالمجاعة، والانهيار الاقتصادي، والانقسام الاجتماعي، والفساد المقنن تحت عباءة “الولاية”. حان الوقت لأن يُسدل الستار على هذا الفصل المظلم، وأن تُبنى دولة عدالة، وقانون، ومساواة، وإعلام حر، وتعليم عصري، واقتصاد وطني، لا رهينة لمشروع خارجي أو طائفي. لقد حان الوقت ليطوي اليمن صفحة الكهنوت. لا تسوية وطنية ممكنة في ظل احتكار السلاح، ولا سلام يُبنى على ركام من الأكاذيب والشعارات الطائفية. اليمن يحتاج إلى دولة قانون، إلى عدالة شاملة تعيد للضحايا حقوقهم، إلى إعلام حر، وتعليم حديث، ومساواة حقيقية تُلغي التمييز السلالي، وتمنح كل مواطن فرصة للحياة الكريمة، بعيدًا عن هيمنة فئة تزعم لنفسها “الحق الإلهي” في الحكم. وجود الحوثي بكل أدواته وآلياته وثقافته يمثل عائقًا بنيويًا أمام أي مشروع وطني جامع. لا يمكن تحقيق السلام مع فكر لا يعترف بالوطن أصلًا، ولا يرى في الآخرين سوى “رعايا” لا مواطنين. وجود الحوثي في اليمن لا يهدد فقط أبناء اليمن، بل يعصف باستقرار المنطقة، ويضع الأمن الإقليمي والدولي في مهب الريح. هذه الميليشيا لم تكتفِ بتمزيق النسيج اليمني، بل صدّرت شرها إلى دول الجوار، واستهدفت الممرات الدولية وقصفت السفن التجارية وقرصنتها، وهددت أمن البحر الأحمر والخليج العربي، خدمة لأجندة إيرانية لا تخجل من استخدام الدين والمذهب وسيلة لتوسيع نفوذها التخريبي. السكوت عن الحوثي اليوم ليس حيادًا، بل تواطؤ. والمساواة بين القاتل والضحية تحت شعار “الحوار” هو دعم مبطّن لاستمرار هذه المأساة. اليمن لا يمكن أن يستقر بوجود هذه الجماعة، ولا يمكن له أن ينهض ما دامت مؤسساته مختطفة، وثرواته منهوبة، وأطفاله يُجنّدون للقتال بدلًا من الذهاب إلى المدارس. على المجتمع الدولي أن يدرك حقيقة صارخة: ميليشيا الحوثي ليست قضية يمنية فحسب، بل تهديد عالمي. استمرارها يعني تكريس الفوضى، وترسيخ الإرهاب، وفتح الباب أمام نسخ مماثلة في دول أخرى. على القوى الدولية والإقليمية أن تتخلى عن ازدواجية المعايير. فالحوثي اليوم، بما يمثله من تهديد للأمن القومي العربي والعالمي، يجب أن يُعامل كتنظيم إرهابي بكل المعايير، لا كمكوّن قابل للتسوية. التغاضي عن جرائمه، أو التعامل معه كجزء من الحل، هو بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار حرب لا تنتهي. أما العبارات المضللة من قبيل: “بغض النظر عن خلافاتنا مع إيران”، فليست سوى ستار لخيانة الذاكرة الوطنية والدماء التي سالت. من يروّج لها إما متواطئ أو منسلخ عن وطنه. إيران ليست “طرفًا سياسيًا” بل رأس الأفعى التي سلّحت ودمرت، وهي أصل البلاء في اليمن. ومن يطلب نسيان ذلك، إنما يسعى لتزييف الوعي وتثبيت الكهنوت. عدونا واضح… ولن ننخدع. وستبقى راية اليمن الجمهوري، اليمن الحر، مرفوعة، لا تحجبها عمائم طهران، ولا تخفيها خطابات المهادنين. اليمنيون لا يعانون من “خلاف سياسي” مع إيران… بل من عدوان دموي موصوف. من سمٍّ يُضخ عبر ميليشيا متمردة تنفّذ مشروعًا خارجيًا. ومن يطلب منهم أن ينسوا ذلك، أو يساوموا عليه، هو إمّا بلا ذاكرة، أو بلا ضمير، أو لا ينتمي لليمن أصلًا. عدونا واضح… وذاكرتنا لا تخون.