آخر تحديث :الأربعاء-13 أغسطس 2025-04:01م

القِمّة

الجمعة - 27 يونيو 2025 - الساعة 08:37 ص
محمد عوض حسن

بقلم: محمد عوض حسن
- ارشيف الكاتب


تولد السعادة من حب الغير، ويولد الشقاء من حب الذات. فَرْقٌ كبير بين أن تحبها لأنها رائعة، وأن تكون رائعة لأنك تحبها. الحب أوله ذكر وآخره فكر. بالنسبة للعالم فإنك مجرد شخص، لكنك بالنسبة لشخص ما قد تكون العالم كله. السفر ميزان الاخلاق. أترف من ربيب نعمة. إتق الله حيثما كنت. أثنين تذهب ضياعاً: عقل بلا دين، ومال بلا بذل. أجود الناس من جاد من قلة، وصان وجه السائل عن المذلة. أحسن القول ما وافق الحق. أحفظ الله يحفظك. إذا حلت المقادير بطلت التدابير. إذا ربطت حزام الأمان أدرك الأخرون أنك سائق متميز. إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه. الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس. إني لأعجب من الذي يظن الحياة شيئاً والحرية شيئاً آخر، ولا يريد أن يقتنع بأن الحرية هي المقوم الأول للحياة وأن لا حياة إلا بالحرية. لا حرية دون مسؤولية.

القِمّة ليست فوق، لا تبحث عنها بأصابعك. القمةُ لا تُرى، بل تسمعك. نعم، القِمّة أذنٌ عملاقة وسط السماء، تُنصت لما لا تقوله، وتبتلع أمنياتك كنجمة شاردة، فإن كنت كاذبًا، تُسقطك في هوّة الشكّ. وأنا شابٌ من حبرٍ وندم، نُسجت أطرافه من الورق والخوف. أحمل والديَّ في جيب قلبي كخرائط ممزقة، كل خطٍ فيها يشير إلى حلم قديم، وأصعد… لا على سلالم، بل على أفكار لا تكرر نفسها، على ظلالي التي سبقتني، على صمتٍ متواطئ مع الحنين. في كل ليلة، أرتدي معطف الريح، وأشدّه حولي كأنني أُخفي داخله وطنًا، وأصعد نحو القمة التي كلما اقتربت، تشوهت، تبدّلت، قاومت التصنيف. مرةً كانت حبيبةً بلا وجه، ومرةً كتابًا لم أكتبه بعد، وأحيانًا، كانت أنا… لكن نسخة من نفسي لا تعرف الخوف، ولا الماضي، ولا حتى الاسم الذي ناداني به الناس يومًا. قالت لي بصوتٍ يشبه ارتعاشة الضوء: "هل تريد القمة لتراك؟ أم لتغيب فيها؟" فأجبتها بظهري، لأنني كنت أخشى أن يسرق وجهها يقيني. فالوجوه تُفسد الغموض، وتؤطر المعنى في إطارٍ ضيق، وأنا أردت أن أظل قابلاً للذوبان. أحبها، ولا أعرف لماذا. ربما لأن قلبها كان صاعدًا أيضًا، لكن لا على قدميها، بل على قصائدها. كانت تتنفس الكلمات وتصعد بها، ترسم نوافذ على جلد السحاب، وتنتظرني هناك، في منتصف اللاشيء، حيث لا أرض، ولا قانون للجاذبية. أنا لا أصعد كي أنجح، بل لأجرّ العالم خلفي كذيل مكسور من زمنٍ قديم. أصعد لأن كل شيء في الأسفل يصرخ: "ابقَ!" وأنا، بكامل جراحي، أصرخ: "ولماذا؟" حين أصل — إن وصلت — لن أُخبر أحدًا. سأفتح نافذة في ذاكرتي، وأُخرج كي ابتسم بعد غياب، وأُمّي تُطفئ شموع الانتظار التي ظلت مشتعلة خلف عينيها. وحين أصل القمة… لن أرفع يدي، لن أصرخ كالمُنتصر، بل سأكتب، بخطٍّ لا يراه سواي: "القِمّة... لم تكن يومًا هناك، بل هنا… حيث بدأ كل شيء، في الداخل."