إلى وقت قريب مضى، كان استلام المبالغ بطريقة أو بأخرى ،من دولة أجنبية أو إقليمية يُعد خيانة عظمى للدولة، وجريمة يعاقب عليها القانون، بل وكان فاعلها يتحسس خطواته في الخفاء، يخشى أن تفضحه زلة لسان أو نظرة عابرة، فيعيش في الظل متخفياً، يدفع الثمن صمتاً وتوجساً، لأنه يعلم تماماً أن ما يفعله يقوض كيان الدولة ويمس أمنها وكرامتها.
ولم يكن ذلك المال يُعطى عبثاً، بل في مقابل معلومات يسربها أو أفعال ينفذها، وقد تكون تلك المعلومات والمهام محدودة جداً نظراً لسرية العمل، لكنها في نظر الدولة كانت كافية لهدم الثقة وتمزيق شرف الانتماء.
لكن الأمور تغيرت… وتبدلت المعايير، فإذا بالاستلام من دول خارجية يُصبح أمرا مُعلنا، لا يقتصر على الأفراد الهامشيين بل يشمل القيادات السياسية والأمنية على حدٍ سواء! لم يعد الأمر يُدار في الظلام، بل بات يُعرض في وضح النهار، ويُفاخر به أصحابه باعتباره دليلاً على "النفوذ" و"الاقتراب من مراكز القرار في تلك الدول.
لم يعد التخفي مطلوباً، بل صار الأمر على عينك يا تاجر، في مشهد يشبه المزاد العلني على كرامة الأوطان، حيث يُمنح القرب من العواصم الأخرى أعلى من وسام الشرف الوطني، وتُقدّم المصلحة الوطنية قربانا في سبيل تلك العلاقات.
وفي خضم هذا الانحدار، ضاعت سيادة الدولة وذابت خصوصيتها. لم نعد نملك القرار، ولا نعرف من نثق به، لأن من يُفترض أن يحرسوا الوطن، قد فتحوا بواباته لكل يد تمتد بالدولار أو العملات الاخرى، بلا خجل… ولا وجل.
وبين هذا وذاك، تلاشت حدود السيادة، وتآكلت كرامة الوطن… فهل من صحوة تعيد للسيادة هيبتها، و للوطن كرامته؟