آخر تحديث :الجمعة-04 يوليو 2025-01:57م

إدارة الإنهيار: كيف يوظف العليمي الأزمات لتثبيت النفوذ؟

السبت - 28 يونيو 2025 - الساعة 03:43 م
كمال صلاح الديني

بقلم: كمال صلاح الديني
- ارشيف الكاتب


منذ تولّيه رئاسة مجلس القيادة الرئاسي، بدأ واضحاً للعيان أن الدكتور رشاد العليمي لا يدير دولة تنهار فحسب، بل يحرص على تكريس هذه الحالة من الإنهيار، متقناً مايمكن وصفه بـ"صناعة الأزمات" كأسلوب حكم ومناورة سياسية على حد سواء ، فبدلاً من البحث عن حلول إستراتيجية تنتشل البلاد من أزماتها المتراكمة، يبدو أن الرجل يعمد إلى تفخيخ الواقع بسياسات تؤدي إلى مزيد من التدهور فهو يبدو كمن يدير الأزمة لابوصفها تحدياً طارئاً بل بإعتبارها منهجاً لإدارة السلطة وتثبيتاً للنفوذ ،إذ أصبحت الأزمات في عهده ليست نتاجاً للظروف المعقدة فحسب ،وإنما أداة يعاد عبرها إنتاج موازين القوى ،وإطالة أمد السيطرة على مفاصل القرار ...


فيتضح من سلوكه أنه يلجأ إلى خلق الأزمات وتوظيفها كوسيلة للتهرب من الإستحقاقات الوطنية خصوصاً تلك المتعلقة بالإصلاحات الإقتصادية والمؤسسية فكلما أقتربت لحظة الحسم في ملف حساس ، يدفع بالمشهد نحو التصعيد عبر إختلاق توترات سياسية أو تضخيم خلافات داخل المكونات الشرعية ، في عملية تبدو ممنهجة لصرف الأنظار عن جوهر الإشكال ، وهكذا تتحول الأزمة إلى مشهد مكرر يستخدم لخلط الأوراق وإعادة ترتيب الأولويات بعيدا ً عن المسار الإصلاحي الحقيقي .


وفي السياق ذاته، يعتمد العليمي على تشكيل تحالفات سياسية رخوة لا تستند إلى أسس وطنية صلبة، بل تُبنى غالبًا على توازنات لحظية ترضي (أطرافًا إقليمية) أكثر مما تُعبّر عن إرادة داخلية جامعة ، ومن خلال هذه التحالفات الهشة ، يحتفظ العليمي بهامش واسع للمناورة، يُسخّره لتبرير التلكؤ في اتخاذ القرارات،

متذرعاً بالخلافات داخل المجلس أو بالضغوط الخارجية، رغم أنه يتحمل المسؤولية الأولى في ضبط إيقاع العمل القيادي وضمان الحد الأدنى من التماسك داخل بنية السلطة.


لقد سعى الرجل إلى إرضاء كافة الأطراف داخل المجلس الرئاسي، لكنه لم ينجح في بناء شراكة حقيقية مع المجلس الإنتقالي، بل بدا وكأنه يتعامل معه كحالة "طارئة" يجب إحتواؤها لا التفاعل معها (بندية) لم يبادر إلى إدارة حوار جاد حول القضية الجنوبية، ولم يُظهر تفهّمًا سياسيًا للخصوصية الجنوبية أو لمطالب الجنوبيين المتراكمة.


ومع أن الإنتقالي تحمّل أعباء كبيرة في حفظ الإستقرار وتعزيز دعائم الأمن العام إلا أن العليمي لم يقدّم له الغطاء السياسي أو المؤسسي اللأزم بل ترك الجنوب

عرضة للتهميش والتعطيل وكأن هناك رغبة في إبقاءه خارج معادلة التأثير الوطني وإستحقاقته المستقبلية..


حيث تتجلى إحدى أبرز ملامح هذا النهج في ما يمكن وصفه بسياسة التهميش "الناعمة" التي أتبعها العليمي تجاه الجنوب خاصة فيمايتعلق بملفات الخدمات، والثروات، والتمثيل الفعلي في القرار السيادي. " هذه

السياسة تعرف بأنها اسوأ ما أفرزته حقبة العليمي في الجنوب إذ أدت إلى إنفصال شبه تام بين "المواطنين والدولة". فمع غياب الكهرباء، وإنهيار الخدمات، وتدهور العملة، لم يظهر العليمي في موقف المتضامن أو الحازم أو حتى المُدرك لحجم المعاناة. لم يتخذ أي خطوات إقتصادية أو معيشية ملموسة لصالح الجنوب، بل تُركت الأمور للقدر، (ولردود الفعل المحلية، التي غالبًا ما تتحول إلى فوضى عارمة)..

إن من يتأمل أداء العليمي يصل إلى نتيجة لافتة: ألا وهي أن الرجل يدير الدولة كما لو كانت ملفًا أمنيًا على طاولة وزير داخلية، متجاهلًا دوره كرئيس لمجلس رئاسي يفترض به أن يقدم رؤى وطنية جامعة."


ويرجع ذلك لإفتقار الرجل إلى أي رؤى إستراتيجية تُخرج البلاد من الإنهيار البنيوي العميق، وهو غياب يُعدّ إنعكاسًا مباشراً لأسلوب "إدارة الأزمة بالصمت"، والذي أثبت أنه أشد خطراً على الجنوب من صراع السلاح، إذ يُرسخ الفشل كأمر طبيعي، ويُطبع مع غياب الدولة كواقع دائم.


وعلى الصعيد الإقتصادي، لاتبدو المؤشرات مشجعة على الإطلاق فالأزمة لا تُدار بحس وطني عاجل يهدف إلى الإنقاذ، بل يبدو أن الإنهيار الإقتصادي بات أداة ضغط بيد السلطة، يُستثمر لتبرير التقصير، وإبتزاز الداخل، وطلب العون الخارجي من موقع الضعف ، فالعملة الوطنية تواصل إنهيارها، دون أي إصلاحات هيكلية تذكر، فيما المؤسسات المالية شبه مشلولة وغائبة ، والدعم الإقليمي يتراجع، في وقت تفتقر فيه السلطة إلى الجرأة اللأزمة للمطالبة الجدية بإستعادة الموارد السيادية أو فرض قواعد شفافة للإدارة الإقتصادية.


* إن مجمل هذا المشهد يشي بأن إدارة العليمي ليست نتاج عجز فحسب، بل انعكاس لرؤية سياسية ترى في الأزمة وسيلة لا عائقًا ، إذ تُستخدم الأزمات لتقويض أي مسار تصحيحي حقيقي وجاد، وتُوظّف كآلية لإطالة أمد البقاء السياسي على حساب مصالح المواطنين. وفي ظل هذا النهج، تتحول المناطق المحررة إلى بيئة مستنزفة، تُهدر فيها الموارد، ويُجهز فيها على الأمل، ويُدار فيها المشهد العام بعقلية الطوارئ لا بعقلية البناء. وهكذا، يكرّس واقع يفيض بالتدهور، لالغياب الإمكانات، بل لتعمّد إبقاء البلاد في حالة فراغ سياسي ومؤسسي، يضمن ويتيح إستمرارية سلطة الأمر الواقع ولو على أنقاض بقايا دولة تحتضر ...