آخر تحديث :الثلاثاء-01 يوليو 2025-11:22م

عندما تُهان كرامة من يُشعلون العقول لا يصح أن نصمت

الإثنين - 30 يونيو 2025 - الساعة 10:49 ص
بلعيد صالح محمد

بقلم: بلعيد صالح محمد
- ارشيف الكاتب


أيقنت منذ زمن مبكر أن الحياد لا يكفي في بعض الأوقات، ولا يليق الصمت في لحظات يكون فيها الكلام موقفاً، والتضامن التزاماً أخلاقياً، ما يحدث للمعلمين في السنوات الأخيرة في عدن وفي عموم الجنوب ليس مجرد خلل وفشل إداري عابر؛ بل انكشاف أخلاقي خطير يديره التحالف العربي وبتواطوء الرئاسي والحكومة المكبلان بقيود ذلك التحالف، يظهر كيف يمكن للدولة أن تنسى من يحملون مصباح الوعي وتهمل من يصنعون المستقبل داخل الفصول الصامتة.

أقولها بألم لا نخفيه، وبغصة لا نخجل منها، أكتب هذه الكلمات لا بوصفنا نقابة جامعية فحسب، بل كبشر قبل ذلك يدركون عمق الجرح، ويعرفون ماذا يعني أن يضطر المعلم للوقوف في طوابير الخبز بدلاً من وقوفه على السبورة

نخاطبكم أيها المعلمون، ونعلم أن كلمات التضامن لا تسدد الإيجارات عنكم ، ولا تسد بطون أبنائكم ، لكننا نكتب لأن التغاضي في هذه الحالة جبن وخيانة، ولأننا نرفض أن نكون شهود زور على الإهانة المتكررة لكرامة المعلم

لقد دفعتني كلمة اللواء مطهر الشعيبي مدير أمن عدن يوم السبت، والذي كان من المؤمل منه إذا أراد التحدث، أن يتحدث وهو في موقع مسؤولية بلغة تعبر عن إدراكه لحجم الأزمة أو على الأقل تراعي حساسية المشهد لكن للأسف ما قاله عن إضرابكم لم يكن سوى دعوة صريحة لفتح المدارس بالقوة، وهذا يعني كسر صوتكم لا سماع مطالبكم.

كلمة الشعيبي لم تكن مجرد رأي بل زلة كبيرة ؛ لأنه في لحظة كان ينبغي أن نرى فيها الدولة وهي تحضن معلميها سمعنا صوتاً رسمياً يحاول تجريم الجوع وتجريم الكرامة وتجريم من يقول أريد أن أعيش بكرامة.

ونقولها هنا بكل وضوح ما قاله الشعيبي لا يليق، لا بمنصبه ولا بآلام الناس؛ لأن من حق المعلم أن يطالب بحقه دون أن يتهم بالتمرد ومن واجب الدولة أن تصغي لا أن تهدد


الإضراب ليس خروجاً على القانون بل تعبير صريح عن خذلان طويل ليس تمرد على الواجب بل مقاومة ضد الإذلال، المعلم لا يضرب لأنه فقد شغفه برسالته؛ بل بسبب جوعه وعندما يطالب بالأداء دون أجر فإننا لا نتحدث عن خلل إداري بل عن ظلم شنيع وعدالة شبعت موتاً

دعونا نقولها بصراحة مؤلمة، هناك ما يشبه المخطط لتفريغ هذا الوطن من عقوله حين يترك المعلم ليتسول فتات راتبه، فهذا ليس مجرد إهمال إنه تدمير منهجي لأهم مؤسسة في أي وطن

ولا ندري من الذي يراد له أن ينهار المعلم أم الوعي أم الاثنين معاً

فإلى كل مسؤول لا يزال قلبه حياً نقول كرامة المعلم ليست مطلباً نقابيا؛ إنها مسألة كرامة وطن، من يسكت على إهانة المعلمين اليوم فلن يجد غداً من يعلم أبناءه

ولذلك نعلن عن تضامننا الكامل مع زملائنا المعلمين في عدن وسائر الجنوب، لا تضامن المجاملة بل تضامن الواجب والمصير المشترك.

وندعو اللواء الشعيبي وكل من يحمل مسؤولية عامة إلى مراجعة مواقفه والارتقاء بخطابه، فالمعلم لا يحتاج لمن يعلمه واجبه، كما لا يحتاج تهديداً؛ بل إنصافاً، لا يحتاج تأديباً بل تقديراً.

ونذكر الجميع أن حق المعلم في الإضراب مكفول دستوريا بموجب المادة ٥٨ من الدستور وموثق في معاهدات دولية صدقت عليها بلادنا منها الميثاق العربي لحقوق الإنسان والإعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهذه ليست شعارات هذه التزامات قانونية وأخلاقية

فإلى الحكومة، وإلى المجلس الرئاسي، وإلى التحالف العربي، إن كنتم تؤمنون فعلاً بأن التعليم هو الطريق الوحيد للنجاة فابدأوا بالاعتذار للمعلم واحترام كرامته وضمان حقه قبل أن تطلبوا منه أداء واجبه.

وإلى زملائنا المعلمين في عدن وباقي المحافظات نقولها بقلوب تنزف دماً، صمودكم وثباتكم هو الشرف الأخير لهذا البلد أنتم لستم وحدكم فأنتم الخط الأخير للدفاع عن الوعي عن الكرامة عن الفكرة.