آخر تحديث :الجمعة-04 يوليو 2025-08:41ص

أدب الرواية في سلطنة عمان .. صوت مختلف من خلال تجربة ذوي الإعاقة

الأربعاء - 02 يوليو 2025 - الساعة 05:00 م
د. الكيلاني بن حمودة

بقلم: د. الكيلاني بن حمودة
- ارشيف الكاتب


شهدت الساحة الأدبية في سلطنة عمان تطورًا لافتًا في مجال الرواية خلال العقود الأخيرة، حيث برزت أصوات جديدة تمثل تنوعًا في التجربة والرؤية والأسلوب. ومن بين هذه الأصوات الروائي حمدان بن هاشل العدوي، وهو كاتب من ذوي الإعاقة الحركية، اختار أن يعبر عن ذاته وتجاربه من خلال فعل الكتابة الروائية، ليضيف إلى المشهد الثقافي العماني والعربي صوتًا صادقًا ومتفردًا



في روايته *"ولادة في كنف الملائكة"*، الصادرة عن دار وشمة للنشر بتونس والتي قمت بتقديمها ومراجعتها، يخوض العدوي تجربة سردية عميقة مستلهمة من سيرته الذاتية. تدور أحداث الرواية حول الصراع المركب الذي يخوضه بطل الرواية مع الإعاقة الحركية التي أصيب بها في سن مبكرة، متأثرًا برحلة علاج طويلة بين سلطنة عمان والهند. وتبرز في الرواية شخصية شقيقه "ياسر"، الذي كان سندًا له، قبل أن يفجعه الموت. هنا، يتكئ الراوي على الحكي الشخصي، ويتبنى أسلوب الراوي العليم مستخدمًا ضمير المتكلم، في استرجاع زمني للأحداث بأسلوب شفاف وعاطفي.



الرواية ليست فقط توثيقًا لتجربة ذاتية، بل هي أيضًا صوت احتجاج هادئ على غياب العدالة الصحية، وصورة عن التفاوت الطبقي، حيث يُظهر السرد قسوة التكاليف العلاجية، وفي المقابل، تشرق إنسانية طبيب ٩هندي يعالج البطل مجانًا. وبين المرض والشفاء، بين الخيبة والأمل، يتمسك البطل بالحياة، ويرفض الاستسلام.يُلاحظ في الرواية اعتماد أسلوب السرد والوصف بدقة، وتوظيف تقنية "رؤية من الخلف" لتقريب القارئ من لحظات التحول والصراع الداخلي. يتجلى الحضور المكثف للكرسي المتحرك والعكازين كرمزين للمقاومة لا للاستسلام.



ولم تكن هذه التجربة الروائية الوحيدة التي عبر فيها أدباء عمانيون من ذوي الإعاقة عن ذواتهم. فقد برزت أيضًا تجارب مثل تجربة الكاتب العماني منير بن ناصر الجهضمي" في روايته *"عزيف"،* والتي تمزج بين الواقعي والفانتازي لتناول قضايا الإنسان المهمش. كما تميزت تجربة الكاتبة *كوثر الزدجالية*، وهي من الكاتبات البارزات في حقل الكتابة الإنسانية والاجتماعية، بإبراز معاناة المرأة في سياقات مختلفة، من بينها التحديات الصحية والجسدية.وتندرج رواية ولادة في كنف الملائكة* ضمن تيار أدبي متنامٍ في سلطنة عمان، حيث بدأ عدد من الروائيين العمانيين في السنوات الأخيرة الاشتغال على موضوعات إنسانية ذات طابع ذاتي ووجودي. ومن بين الأسماء البارزة، *(بدرية الشحية)التي سلطت الضوء في رواياتها على قضايا المرأة والهوية والاغتراب الداخلي، وكذلك "زهور ونيسة" التي كتبت عن التحديات النفسية والاجتماعية من منظور أنثوي. كما لا يمكن إغفال تجربة سالم آل تويه الذي عالج في أعماله التحولات الاجتماعية وأثرها على الفرد، بأسلوب introspectif عميق.



هذه الأعمال، وغيرها، تُشير إلى تحوّل في الرواية العمانية نحو *التعبير عن الذات المهمّشة أو المُتحدّية للواقع*، سواء تعلق الأمر بالإعاقة، أو بالهويات الجندرية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، تُعد تجربة حمدان بن هاشل العدوي متفردة من حيث كونها *صوتًا قادمًا من قلب الإعاقة الجسدية*، لكنها محمّلة بطاقة إبداعية عالية، وسرد يُنازع الألم بالكلمة، والعجز بالأمل.

إن رواية "ولادة في كنف الملائكة" تمثل منعطفًا نوعيًا في الرواية العمانية، لأنها تكسر الصور النمطية عن ذوي الإعاقة، وتُعيد صياغة المفاهيم السائدة حول القدرات والإبداع. كما أن مشاركة العدوي في معارض تونس وسوسة الدوليين للكتاب تعكس بداية حضور عربي أوسع لصوت روائي صاعد من عمق المعاناة.



بهذه الكتابة، لا يؤرخ العدوي فقط لتجربته الشخصية، بل يفتح نافذة أدبية وإنسانية لفئة ما زالت مهمشة في الإنتاج الثقافي، مؤكداً أن الإبداع لا يعترف بالإعاقة، بل يتجاوزها ليصنع الجمال من رحم الألم.