ولأن للخيبة وجوهًا كثيرة، وللخيانة ألسنًا تتلو آيات الولاء الزائف، فإن الجرح لا يُدمى فقط برصاص المعتدي، بل ينزف أكثر حين يغرسه الشقيق بيدٍ ترتجف من الطمع لا من الندم. هكذا تظل بعض الكيانات السياسية، وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام في الداخل، قفازًا تتلطخ به يد الحوثي، ثم تُرفَع نظيفة مزيفة في وجه الناس، كأنها لم تغمس في دم، ولم تنغمس في رجس.
لقد صار المؤتمر في نسخته الحوثية، لا صوتًا وطنيًا، ولا حتى ظلًا باهتًا لذاكرة ماضية، بل أداة تبرير، وواجهة تلميع، وخزّانًا بشريًا يُصاغ منه البيان السياسي للقاتل، ويُصوَّر به وجه الجريمة كأنه ملامح دولة.
وما هو أدهى وأفجع، أن يقبل من كانت له في قلوب اليمنيين منزلة، وفي وعيهم صورة رجل المرحلة، أن يكون لسانًا باهتًا لهذا الالتباس أن يقبل وهو ابن زعيم عرفه الناس رمزًا لقوة الدولة، أن ينكمش في تمثيلٍ مشوه لا يعترف سوى بشرعية المؤتمر الحوثي العام ، كأن اليمن كلها قد تقلصت في قيد حزبي وركوع سياسي.
أليس من المعيب أن تتحول القامات إلى تماثيل صامتة، لا تنطق إلا بما يُرضي الغالب، ولو كان قاتلًا؟
أليس من المحزن أن يُصبح الطموح الوطني مرتهنًا في دفتر تقاسم النفوذ، لا في ميدان صراع الحقيقة والكرامة؟
في هذا التواطؤ الصامت، في هذه الشراكة القذرة بين الظل والظلام، يُعاد إنتاج الجريمة بلغةٍ سياسية، ويتم غسل قاذورات الحوثيين في وعاء المؤتمر، كما لو كان تاريخ الحزب العظيم قد خُلق ليكون وعاءً طقسيًا لتطهير سفّاحي الحاضر.
لكن، لا قفاز يغسل الدم، ولا واجهة تخفي الجريمة.
ومن يلبس ثياب القاتل، سيُحاكم ولو باسم الضحية.
فالتاريخ لا يُملي دروسه على المصفقين، بل يكتبها باسم أولئك الذين رفضوا أن يكونوا أدوات في يد الطغاة، حتى لو كلّفهم الرفض حياةً بأكملها.
د.عصام شريم