في عز الصيف العدني، حين يشتد الحر حتى يصهر الأرواح قبل الأجساد، تقرر الحكومة أن تُظهر لنا وجه جديدا من وجوه الحنان.
لا، ليس عجزا في توفير الكهرباء، ولا فشلا في إدارة أبسط مقومات الحياة... بل هو، كما يبدو، نوع مبتكر من "الحنان الرسمي"، حنانٌ يُفرض علينا تحت عنوان عريض: الحفاظ على لُحمة الأسرة....كما همس لي بهذا أحد ضاربي المراويس ...
بحسب هذا المبدأ المراويسي، فإن انقطاع الكهرباء ليس سوى وسيلة راقية لإعادة الدفء إلى البيت العدني المتبعثر. يريدون لنا أن نعود إلى "اللمة" التي ضاعت في زحام المشاغل، أن نتكدس في غرفة واحدة، تحت مروحة يتيمة بالكاد تدور، نختبر فيها "الأنفاس المشتركة"، والعرق المشترك، وربما همسات لم يعد الزمن يسمح بها إلا على استحياء.
تجتمع العائلة مرغمة، لا حبّا، بل هروبا من حر قاتل. يلتصق الجسد بالجسد، وتتشابك الأنفاس والتنهيدات، في مشهد سريالي، لا يشبه الحب قدر ما يشبه النجاة. أم تسهر مرهقة، وأب يتقلب باحثا عن نسمة، وأطفال يتأرجح نومهم ...
آهٍ يا عدن، كم تفيض حكومتك حنانا!
كم تجتهد لتزرع الألفة من جديد، حتى لو كانت على هيئة عرق يسيل وأنين يُكتم، وسهر ثقيل لا يقطعه سوى تنهيدة أب يرى أولاده يكتوون وهو عاجزا عن فعل شئ أو شهقة شاحن إنذارا ببطارية تحتضر....
لكن... لسنا بحاجة إلى هذا "الود القسري"، ولا إلى "الحنان المؤلم".
نحن نريد لمتنا التي نصنعها بقلوبنا، لا التي تُفرض علينا تحت لهيب الصيف وعتمة الكهرباء.
عدن، يا سادة، لا تحتاج إلى دروس في الحب...
عدن فقط بحاجة إلى كهرباء... أما الباقي، فقلوب العدنيين تعرف كيف تصنعه.