آخر تحديث :السبت-16 أغسطس 2025-08:47ص

عابرون في تلافيف الزمن

الأربعاء - 09 يوليو 2025 - الساعة 09:33 ص
محمد عبدالله الموس

بقلم: محمد عبدالله الموس
- ارشيف الكاتب


عندما وضع الروانديون اقدامهم على اول طريق النهوض في منتصق تسعينيات القرن الماضي لم يكن ذلك بوحي من السماء ولا بإرادة مفروضة عليهم بل كان ذلك بارادة وقيادة وطنية رواندية حرة ترى البعد الوطني قبل البعد القبلي او العرقي.


وقد تزامنت اولى خطوات رواندا نحو النهوض مع آخر قطرة دم سالت في صراع مرير ذهب ضحيته مليون انسان خلال مائة يوم فقط.


سيخلد تاريخ رواتدا الزعيم الوطني بول كيجاما كواحد من عظماء افريقيا وفي مصاف مواز للزعيم الوطني نلسون مانديلا الذي أسس للمصالحة الوطنية في جنوب افريقيا على انقاض الفصل العنصري الذي عصف بجنوب افريقيا ردحا طويلا من الزمن.


قاد الزعيم الرواندي بول كيجاما النخبة الرواندية نحو مصالحة وطنية رواندية وصلت الى الحواري، وقاد عدالة انتقالية وجبر الضرر ارتضاها الروانديون، وأسس كيجاما لديمقراطية متميزة تمنع الغلية العددية للهوتو، قبيلته، الذين يشكلون ٨٠% من سكان رواندا بحيث لا يتعدى تمثيل اي قبيلة ال ٥٠% من الهيئات المنتخبة مركزيا ومحليا، وهذا تنازل كبير لكنه يخدم وطن لا قبيلة، وغني عن القول ان ديمقراطية الغلبة هي السبب الرئيس في فشل مشروع الوحدة اليمنية.


لا تفوتني الاشارة الى ان الديمقراطية المقننة ذكرها صديقي العميد علي بن شنظور في كتيب عن تجربة رواندا كتبه من وحي زيارته لها ضمن وفد من فريق الحوار الوطني الجنوبي التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي.


ولأن ما يهمنا كجنوبيين هو وطننا فأننا سنجلد ذواتنا ونغادر مربع المجاملة، فما عاشه جيلنا والاجيال التي سبقتنا كان عبارة عن مراحل صراع لم تبرز خلاله اي شخصية وطنية تحمل مشروعا وطنيا تم البناء عليه، فقد اصبحت ثقافة الصراع هي التي تتحكم في مصائرنا، فنتيجة لهذه الثقافة هرولنا للوحدة مع العربية اليمنية دون الاستقواء بمصالحة جنوبية.


حتى الرئيس علي ناصر الذي كان يراه البعض يحمل مشروعا كشف عن نفسه عندما قال بأنه كان ممن افشلوا دخول الجنوب ضمن مجلس التعاون الخليجي وبرره بعذر اقبح من ذنب حين قال (ونحن لن نكون مع الشمال ولا مع الجنوب) متناسيا ان كثير من الرموز الوطنية الجنوبية عاشوا وماتوا في المنافي بفعل ثقافة الصراع والإقصاء التي اسسوا لها واصبح الانسان الجنوبي يدفع الثمن حتى اليوم، ومتجاهلا ان الوطن يأتي قبل الاشخاص والجماعات، ولكم ان تتخيلوا كيف كان سيكون حال الجنوب لو انضم لمجلس التعاون الخليجي بدلا من الدخول في وحدة دمرت ما تبقى من الجنوب؟.


واقع الحال ان كل من تقاطروا على السلطة في الجنوب منذ الاستقلال ليسوا سوى اشخاص عابرون في تلافيف السنين، وكل ذكر لأي منهم يكون مقرون بمأساة اخذت معها خيرة شباب الجنوب، وكل ما ورّثوه لنا هي تباينات، صامتة أحيانا ودموية أحيانا اخرى، يستثمرها خصومنا من بين ظهرانينا ومن خارجنا.


مع ذلك فأن كل ما نملك هو ان نأمل ان تستلهم النخبة الجنوبية، في الانتقالي وخارجه، تجارب النجاح الاسطورية في جوارنا وفي بقاع تشبه حالنا قبل ان نفقد فرصة اخرى.


عدن

٩ يوليو ٢٠٢٥م