في زمن الاستباحة، حين طغى الباطل، واختلطت الأصوات بين صدق الوجدان وزيف الشعارات، تبرز اللحظات الفارقة التي يتمايز فيها صف الحق عن صف الإفك، وتُختبر فيها معادن الرجال، ويُغربل فيها الولاء للوطن من الهتاف الأجوف. ومن هذه اللحظات الحاسمة، تأتي حادثة القبض على القيادي الحوثي البارز الشيخ محمد أحمد الزايدي في منفذ صرفيت بمحافظة المهرة، كصفحة مضيئة في سجل الدولة اليمنية، وصرخة عدالة تتحدى حملات التخذيل والتزوير، وتؤذن ببداية مرحلة جديدة من ردّ الاعتبار للدم اليمني المهدور، والكرامة الوطنية المنتهكة.
الزايدي لم يكن مجرد شيخ قبيلة، بل كان واحدًا من عرابي الانقلاب، وشريكًا مباشرًا في الجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق اليمن دولةً وشعبًا. كان من أوائل من باركوا الانقلاب المشؤوم، ومن الداعمين السياسيين والعسكريين لمليشيا عبد الملك الحوثي، ومن الذين سخّروا وجاهتهم القبلية ونفوذهم الاجتماعي لحشد القُطعان إلى الجبهات، وقادوا التجييش في صفوف الحوثيين ضد الجمهورية وضد مؤسسات الدولة الشرعية.
وها هو اليوم، بعد سنوات من التحريض والتمويل والتأييد لكل آلة الدمار الحوثية، يقع في قبضة الدولة، ليواجه مصيره في ساحات العدالة التي حُرمت منها آلاف الأسر، والتي ما تزال تنتظر ردًّا كريمًا على دموعها ودمائها.
ومع هذا الحدث المفصلي، خرجت بعض الأصوات النشاز، تروّج لدعاوى الإفراج عن الزايدي، بذريعة أنه "كبير في السن"، أو "كبير قومه"، وأن بقاءه رهن الاعتقال قد يثير "الفتنة"! وكأن الفتنة لم تكن هي انقلابه، وخيانته، وتسببه في سفك دماء الآلاف، ودفعه لأبناء القبائل إلى محارق الموت.
بل الأدهى والأمرّ، أن هذه الأصوات لم تكتفِ بترديد ترهات إعلام الحوثي، بل ألبستها ثوب الحكمة الزائفة، ومزجت بين شفقة زائفة على الشيخ، وتخاذل صريح عن ردع الجريمة والانقلاب.
فهل راعت مليشيا الحوثي "القيم والاعراف اليمنية" حين غيبت السياسي محمد قحطان في سجون الظلام؟
هل احترمت "حرمة الكبار" حين صفّت الشيخ صالح حنتوش غدرًا؟
هل أظهرت "الإنسانية" وهي تحاكم الحرائر أمثال أسماء العيسي وفاطمة العرولي محاكمات عبثية، وتزجّ بهن في المعتقلات؟
أين كانت هذه "الحكمة" حين أُهينت شيوخ القبائل، وأُذلّ العلماء، ونُكّل بالضباط، وجلد الاعلاميين، وامتهنت كرامة اليمنيين في كل بيت وقرية وسهل وجبل؟
والأشد إيلامًا أن هذه الأصوات لم تُراعِ حتى دماء رجال الأمن الذين ارتقوا شهداء أثناء تنفيذ واجبهم الوطني.
فحين تم القبض على الزايدي، وتعزيز القوات الأمنية في المنفذ، تعرضت قوة التعزيز لكمين غادر وجبان نفذته عناصر إرهابية مرتبطة بالمشروع الحوثي، راح ضحيته الضابط الشجاع ، العميد عبدالله زايد السحيمي، وعدد من مرافقيه، سقطوا شهداء وهم يؤدون واجبهم المقدس في حماية الوطن وتثبيت أركان الدولة. أي وقاحة أخلاقية تلك التي تطالب اليوم بالعفو عن المجرم، بينما دماء الأبطال ما تزال تنزف في أرض المهرة؟
في هذا السياق، نوجه تحية إكبار وامتنان لقوات الجيش والأمن الوطني، التي أثبتت أنها الدرع الصلب للوطن، وأنها باقية على العهد لا تلين، رغم التحديات والضغوط.
تحية خاصة لأبطال الأمن والجيش في محافظة المهرة، وعلى رأسهم اللواء البطل محسن مرصع، قائد محور المهرة، الذي جسّد موقفًا وطنيًا شجاعًا في حماية الأمن والاستقرار، والتصدي لمحاولات التخذيل والتخريب. لقد كانت يقظة الأجهزة الأمنية والعسكرية في المهرة، وانضباطها واحترافيتها، شاهدًا حيًا على أن الدولة – برغم كل الجراح – لم تمت، وأن رجالها ما زالوا يكتبون التاريخ بالدم والشرف.
إن ما نطالب به اليوم ليس انتقامًا، بل استعادة للكرامة والعدالة.
فلن تُبنى اليمن الجديدة إذا لم يُحاسب الذين خانوا، وقتلوا، ومكّنوا للمشروع الفارسي الخبيث في خاصرتنا. ولن يتحقق السلام ما لم يتحقق العدل، وما لم يشعر كل يمني بأن لا أحد فوق القانون، وأن من تآمر على الوطن، سيُحاكم أمامه، وتحت عينه، ووفقًا لدستوره.
يا حكومة الشرعية...
ارتفعوا إلى مستوى اللحظة، وكونوا على قدر التحدي. هذه ليست لحظة للمساومات، بل للتاريخ.
سيُحاكم الزايدي، وسينال جزاءه العادل، وستسقط رموز الانقلاب واحدًا تلو الآخر، كما تتساقط حبات السبحة إذا انقطع خيطها.
وسينتصر اليمن العربي الجمهوري المسلم على مشاريع التخريب والتفريس والوصاية.
ختامًا: لتكن هذه الحادثة صرخة وعي، نوقظ بها الضمير الجمعي، ونرسّخ بها ثقافة الردع والمحاسبة، ونمنع بها إعادة تدوير القتلة في وجوه جديدة.
فالدولة لا تُبنى على التخاذل، ولا تُصان بالمجاملات، بل تُحمى بالعدل، ويُؤسس لها بالدم والتضحية والإرادة الحقيقية في استعادة الوطن.
✍️ عبدالعزيز الحمزة
السبت ١٢ يوليو ٢٠٢٥م