آخر تحديث :الأربعاء-30 يوليو 2025-02:26م

ومازال السؤال يدور من أسقط الدولةاليمنية؟

الإثنين - 14 يوليو 2025 - الساعة 10:24 م
احمد الشلفي

بقلم: احمد الشلفي
- ارشيف الكاتب



لم يأتِ الأخ العزيز صلاح باتيس بجديد حين تحدث عن موقف الرئيس عبدربه منصور هادي في تلك اللحظة الحرجة من عام 2014، لكن ما قاله لقي تفاعلًا ، ليس لأن مضمونه صادم، بل لأن الكل يريد القول أنه غير مذنب وخاصة أنصار علي عبدالله صالح .

بات واضحًا أن موقف هادي آنذاك – حين قال إن “عمران عادت إلى حضن الدولة” – كان كاشفًا عن اختلال جوهري في تقدير المشهد، بل وفي طبيعة القيادة نفسها. ورغم تكرار هذه الشهادات، فإن استحضارها لا يزال يثير الجدل، لأن كل طرف يحاول إعادة ترتيب المسؤوليات وتبرئة نفسه مما جرى.


لكن هل يمكن لأي طرف يمني أن يخرج من هذا المشهد دون مسؤولية؟

الحقيقة أن الدولة لم تسقط بيد جهة واحدة، بل سقطت تدريجيًا، بفعل قرارات خاطئة وحسابات ضيقة، وارتباك مؤسسات الدولة. الجميع ساهم في ذلك، لكن بنسب متفاوتة.

الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي كان يمسك بشرعية الدولة، لم يتصرف في لحظة الخطر كقائد بمسؤوليات القائد.

ربما لم يكن يعتقد أن الأمور ستسير على ذلك النحو، لكنه لم يمتلك رؤية واضحة ولاقدرة لمواجهة التحديات المتسارعة. فترك المؤسسات تتفكك، حتى وجدت الجماعة الحوثية طريقها إلى قلب العاصمة، وسط ذهول الداخل وتغاضي الخارج.

في المقابل، لا يمكن الحديث عن سقوط الدولة دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبه علي عبدالله صالح ، الذي اختار أن يعود إلى الواجهة عبر بوابة الانتقام.

بفعل تراكم نفوذه الطويل، وتحكمه ببقايا شبكات الدولة ومراكز النفوذ، لعب دورًا أساسيًا مع حزب المؤتمر الشعبي الذي صار شريكا في الحكم مع الحوثيين في تمهيد الطريق أمامهم، لا حبًا بهم، بل نكاية بمن أخرجوه من الحكم.

كان صالح يعلم تمامًا ما يفعل، ويحسب خطواته بدقة، وهو ينسج التحالفات ويعيد ترتيب الأوراق على حساب الدولة ومؤسساتها.


أما حزب الإصلاح الذي يحمله خصومه جزءا من القصة فالسبب أنه لم يكن حزبًا هامشيًا، بل كان يمتلك النفوذ في مؤسسات ما بعد الثورة. لكنه لم ينجح في تحويل هذا النفوذ إلى مشروع وطني قادر على حماية الدولة.

غلبت عليه الحسابات الحزبية، واكتفى بإدارة التوازنات وافتقد إلى القيادة القوية والخطاب المتماسك، حتى بدا في لحظة الانهيار كيانًا هشا.

ولا يمكن إغفال الدور الغريب المريب لأحزاب تاريخية مثل الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري.

رغم ضعف قاعدتهما الشعبية ، فقد كان يُنتظر منهما دور وطني، أو على الأقل تقديم مبادرات سياسية شجاعة، أو خطاب يملأ الفراغ.

لكن ما حدث هو أن الحزبين فضلا الحياد، وذوبا في تحالفات أوسع دون أن يتركا أثرًا ملموسًا في المعادلة الصعبة.

أما السؤال الكبير فعن دور القبيلة اليمنية، لا سيما في المحافظات التي لطالما كانت إحدى ركائز النظام الجمهوري ومصادر ثقله.

لقد استُخدمت القبيلة مرتين في هذا المشهد:

مرة حين وظّفها علي عبدالله صالح لتقوية تحالفه مع الحوثيين، مستثمرًا شبكة الولاءات القديمة التي بناها لعقود،

ومرة حين استطاع الحوثي أن يخترق بنيتها، ويحوّل أبناءها إلى مقاتلين في مشروعه.

والمفارقة أن هذه القبائل، التي طالما اعتُبرت “درع الدولة”، أصبحت في لحظة حرجة جزءًا من معول هدمها، إما بالصمت، أو بالتواطؤ، أو بالانقياد تحت وطأة النفوذ أو المال أو العجز عن المواجهة.

وهو ما يطرح سؤالًا عميقًا: كيف تمكّن الحوثي من ترويض واحدة من أكثر البُنى الاجتماعية صلابة، وجعلها أداة في يده بدل أن تكون سدًا منيعًا أمام مشروعه.

هكذا، تضافرت الأسباب وساهم الجميع – عن قصد أو عن ضعف أو عن سوء تقدير – في السقوط الكبير.

لا أحد بريء بالكامل، لكن الذنب ليس واحدًا. هناك من أسهم بالقرار، وهناك من أسهم بالصمت، أوالتواطؤ، وكثيرون بالعجز.

اليوم، وبعد كل هذا الخراب، لا تزال الأصوات تتنافس على رواية من أسقط الدولة.

لكن السؤال الآن لم يعد: من أسقطها؟

هذا معلوم !

بل السؤال كيف نخرج من هذا المأزق .. وماذا نريد لنخرج منه !