يكتبه / جمال مسعود علي
ليس مستغربا أن نكتب بهذه الطريقة ونحن من البيت النقابي ومن المؤسسين في مرحلة بناء نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين في اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي للنقابة والكاتب الذي جمع كتاب الحركة النقابية والعمالية في الجنوب ( النشأة ومراحل التطور ) وكتاب مبادئ ومفاهيم عامة للعمل النقابي ومسؤول شؤون التدريب النقابي ، ليس مستغربا أن نكتب بالنقد البناء فقد تعودنا أن نضع آراءنا ومقترحاتنا قبلا في اجتماعات النقابة .
الإضراب واحد من أهم وأكبر الأعمال النقابية التي دعت إليه نقابتنا وحشدت لأجله وتحملنا بسببه الانتقاد والتهديد والنقل من مدرسة لأخرى وتوقيف الراتب ، وكان لنا فيه صولات وجولات نعلن عنه ونحث على تنفيذه ثم نخوض رحلة التفاوض النقابي بمرونة ناخذ ونعطي نتشدد حينا ونتنازل حينا آخر حققنا كنقابة مالم يحققه اتحاد نقابات العمال بكافة نقاباته الاثناعشر كانجاز عمالي يستفيد منه كل العمال والموظفين بدءا بعلاوة غلاء المعيشة ٣٠٪ مرورا بإصدار تعميم وزارة الخدمة المدنية بإطلاق العلاوات السنوية والتسويات وطبيعة العمل وحاليا المطالبة بإعادة النظر في هيكلة الأجور الذي تمارس فيه نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين اعلى درجات الضغط النقابي منفردة لتحقيق هدف سيستفيد منه كافة العمال والموظفين في كل المناطق المحررة في الوقت الذي تتحرك كل نقابة للضغط من أجل أهدافها الخاصة بها ومطالبها الذاتية رافضة العمل بمبدأ التعاضد النقابي والعمل النقابي الموحد لانتزاع الحقوق الجماعية للعمال والموظفين في كل قطاعات الجهاز الإداري للدولة ، وهذا للأسف الشديد مالاحظته الجهات الحكومية واججته ، وتمكنت من خلاله من توسيع التباين والتباعد بين النقابات وفصل قضاياها عن بعضها البعض ، وميزت المستحقات الوظيفية بين مرفق وآخر لتعزيز مبدأ العمل على معالجة المطالب الذاتية لكل مرفق على حدة تحت إطار المحافظة على المصالح الخاصة ، هذا الإطار لم تتضرر منه سوى نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين التي صارت مسحوقة بين فكي الرحى المطالبة بحقوقها واصطدامها بالمجتمع المتضرر من احتجاجاتها والعمل بالحق القانوني وممارسة الإضراب
لم نكن كنقابيين ندرك بأن الإضراب وهو حق قانوني انه أيضا سلاح ذو حدين يوجع الحكومة الراشدة من جهة ويدفعها للمثول لمطالب النقابة وتلبي منها هذا البند أو ذاك عاجلا ام آجلا ويوجع المجتمع أيضا من جهة أخرى وخاصة عندما تطول مدته ويتضرر الطلاب بتعطيل التعليم عند تعامل نقابة مع حكومة فاشلة
الحكومة وبسبب تكرار النقابة لأسلوب الإضراب كوسيلة للاحتجاج مرة بعد مرة ، وبحسب مصادر في الحكومة ، قالت أن الحكومة تركت النقابة في مواجهة المجتمع وسعت عبر وسائلها لتأجيج الشارع ضدها ، وهذا ماحصل في الإضراب الذي تصدت لنا فيه منظمات المجتمع المدني وخطباء المساجد وتكلم بعض السياسيين الجنوبيين بحق النقابة حينها متهما إياها بالغوغائية وقيادتها بالفوضويين ، حينها وللتخفيف من حدة الهجوم على النقابة استجابت النقابة لمطالب منظمات المجتمع المدني ورفعت الإضراب بتعهدات مجتمعية
اليوم وقد انتهي عام دراسي معطل بالكامل بالاضراب واوشكنا على الدخول في عام دراسي جديد ، نجد الجانب الحكومي لازال متجاهلا صوت المعلمين وواضح جدا أنه يحشد المجتمع ضد النقابة ساعيا إلى ضربها بيد أهلها وابناءها مستخدما أساليب الدفاع عبر الهجوم ليحرف القضية عن مسارها الحقوقي المطلبي من نقابة قانونية وتطالب بحقوقها المشروعة إلى أعمال فوضى وتنمر على الحكومة بدلا من الاستماع لأصوات المعلمين والاستجابة لمطالبهم ولو بالحد الأدنى
النقابة وللاسف وقعت في هذا الفخ وصارت في مواجهة مع الشارع والذي وان كان مؤمنا بقضية المعلمين ومتعاطفا معها إلا أنه بالمقابل سيكافح من أجل تعليم ابنائه ولن يسمح بتكرار التعطيل للعام الثاني ،
أن سكوت الحكومة والسلطات المحلية العام الفائت وعدم تعرضها للنقابة لم يكن عملا ديمقراطيا ولا إيمانا بالعمل المدني وحق المعلمين بحرية التعبير بل كان وللاسف طعما مرتخيا ألقته الحكومة في الأرض وتجاهلت تعطيل التعليم وتركت الباب مفتوحا للنقابة لتحتفل بنجاح الإضراب ، وهو ليس نجاحا بل فشلا ذريعا يحتسب على النقابة أنها ورغم ممارسة الضغط باعلى درجاته وهو الإغلاق التام للمدارس والأضرار بالعملية التعليمية الا أنها لم تحقق إنجازا نقابيا إزاء ذلك ، بل عاقبتها الحكومة الماكرة بتأخير الرواتب وايقاف الحافز وتركها أمام الشارع دون أن تحقق هدفا واحدا بالاضراب رغم طول مدته
إنه وللخروج من هذه الأزمة والاصطدام بجدار الصمت الحكومي على النقابة أن تنأى بنفسها عن الوقوع بالفخ وان تلقي بالطعم الذي أكلته بمكر حكومي ، والا تدخل في مواجهة مع الشارع المناصر لها في عداوة لن تسلم من نفث السم ونفخ الكير ضدها وتحويل موقف الشارع المناصر إلى خصم شرس يهيج ضدها ، وعليها تغيير استراتيجية التفاوض النقابي وتجدد وتعدد طرق الاحتجاج والضغط النقابي ، وعليها : -
على النقابة العامة للمعلمين والتربويين الجنوبيين الدعوة وبدون شروط إلى العودة للمدارس واستئناف العملية التعليمية من طرف واحد والتراجع عن الإضراب كوسيلة ضغط ضد الحكومة بعد ثبوت فشله وامتصاص الحكومة له وحسن التعامل معه وتحويله إلى فخ للنقابة وقعت فيه للاسف وطعم تم استدراجها إليه للتخفيف من حدة الضغط النقابي عليها ولتبعد النقابة عن وسائل أخرى قد تحرج الحكومة وتفضح موقفها السلبي من التعليم والتفريط فيه وتلصق تهمة تعطيل التعليم بالنقابة وحدها لذلك تخلت عن حقها بالدفاع عن العملية التعليمية ومواجهة النقابة تحت غطاء الايمان بحق الاحتجاج السلمي والتعبير عن الرأي
على النقابة وهي داخل المدرسة يمارس المعلمون رسالتهم التعليمية الا تتوقف عن ممارسة الضغط النقابي الفاعل والمؤثر ضد الحكومة للمطالبة بالحقوق ، وتوسيع دائرة الاحتجاج ووسائله وأدواته بما بسبب للحكومة قلقا حقيقيا وازعاجا يجرها نحو سماع صوت المعلمين ويجبرها على الاستجابة لمطالبهم ، وأقل مايمكن فعله هو تخصيص يوم للاحتشاد التربوي والتعليمي الشامل في ساحة البنوك بكريتر أو الشارع الرئيسي بالمعلا أو ساحة العروض بخورمكسر مرتين في الشهر ثم مرة كل اسبوع يشارك فيه المعلمون والقيادات التربوية ومجلس أولياء الأمور وان اقتضت الحاجة ستستدعي النقابة أبناءنا وبناتنا طلبة المدارس للمشاركة مع آباءهم المعلمين في يوم للاحتشاد التربوي والتعليمي الشامل
قد تضطر النقابة لاحقا إلى استخدام الحشد التربوي والتعليمي الداعي إلى لفت انتباه الحكومة إلى أولوية التعليم واحقيته بالدعم والاهتمام إلى دعوة الحشد التربوي والتعليمي الشامل إلى الوقوف بين المديريات والمحافظات كحل نهائي يجبر السلطات إلى تغيير سياستها نحو التعليم وتحمل مسؤولياتهم تجاهه أو إجبارهم على التنحي عن مناصبهم بسبب فشلهم
من اجل التعليم ونهضة البلد لابد من تغيير استراتيجيات التفاوض بين النقابات والحكومة ولابد من تعدد الوسائل وتنوعها وعدم الاستخدام لوسيلة وحيدة تستفيد منها حكومة فاشلة لاتهتم بأولوية التعليم ، وبمكر منها ترخي الحبل للنقابة لتفرض إضرابا لايضر الا بمصلحة المجتمع وابنائه وهذا مايؤكده حرص الحكومة وقتالها للدفاع عن استقرار العمل في المرافق الإيرادية والتدخل المبكر للتعامل مع النقابات قبل التوجه نحو المرافق الإيرادية ، أما التعليم وكما صرح بعضهم قائلا : لو أرادت نقابة المعلمين تحمل المسؤولية وتعطيل التعليم فالحكومة لن تعترض عليها بل ستتعهد بعدم السماح للمدراء العموم ومدراء الإدارات التربوية ومدراء المدارس بملاحقة قيادة النقابة وتحويلهم أو توقيف رواتبهم كما كان يحصل من قبل