أ. أحمد سالم فضل
في أعماق عالمٍ محجوب، لا تراه العيون المُدرَّبة على الرؤية المُعلَّبة، وتحت أسقف قلاعٍ موصدة تُدعى "القلعة 13"، تُكتب كلمات لا يطالها ضوءُ المعرفة المُعقَّمة، ولا مقصُّ الرقيب المعرفي. هناك، خلف ستائر الزمن، تختبئ حقائق لم تندثر، بل أُخفيت عمداً؛ حيث العلوم القديمة نُزعت من سياقاتها، لا لأنها بَطُلت، بل لأنها تُهدّد امتيازات من يديرون الحاضر بالخديعة.
في هذا الزمن، أُعيدت كتابة التاريخ لا باسم الحقيقة، بل باسم الغالبين في معركة الخداع. لم تُطوَ صفحات الماضي لأن صلاحيتها انتهت، بل لأنها تهدد صلاحيات المُتحكمين بالرواية. لقد جرى تحويل المعارف إلى أساطير، والرموز إلى خرافات، والوعي الحرّ إلى "نظرية مؤامرة".
تُروَّج اليوم "حقيقة رسمية" كأنها سلعة مصنّعة؛ لامعة، محسوبة المقادير، قابلة للتسويق. يُقصى من يُخالفها، ويُساء إليه، وتُصبّ عليه تهم "الجهل" أو "الهوس". صار طرح الأسئلة جريمة، والبحث في الممنوع تمرّدًا، والشكّ في الرواية السائدة مدعاةً للشيطنة أو الاستهزاء. في زمن المنصات اللامرئية، يُدفَع العامّة إلى الإجابات السريعة، بينما يُلاحَق المستيقظون، أولئك الذين قرأوا ما بين السطور، وسمعوا ما لم يُقل.
إنهم ليسوا أنبياء، ولا أصحاب رسالات، بل قرّاءٌ بارعون للزمن، يدركون أن الحروب القادمة لن تُخاض بالمدافع والجيوش، بل بالسرديات المتضادة: بين من يملكون أجهزة البثّ والتحكم بالوعي، ومن لا يملكون سوى أصواتهم وأسئلتهم.
في زوايا العتمة، بعيدًا عن وهج الإضاءة الزائفة، ما يزال هناك من ينقّب في جدران الغفلة بأسئلتهم، بحثًا عن بقايا وعي لم يُلوَّث. أولئك لا يبحثون عن طمأنينة القطيع، بل عن شعلة صغيرة في نفق طويل.
فلا تسأل في هذا الزمن: من على حق؟
بل اسأل: من يُمنَع من طرح الأسئلة؟ ومن تُغلق دونه أبواب المنابر؟
ربما كانت "القلعة 13" مجرّد رمز...
وربما كانت المفتاح للسفر عبر الزمن —
ليس عبر آلات الخيال، بل عبر إدراك الحقيقة، حين تُسقط الأقنعة