محمد عبدالله الموس
بعد ان كان السواد الأعظم من الناس يكادون يتنفسون الرمق الاخير من سياسات التجويع القاتلة حتى لمسنا بعضا من إجراءات حكومية تضع حدا للموت جوعا الذي اخذ ينتشر بين الناس من خلال فرملة الانفلات النقدي الذي أفقد العملة المحلية معظم قدرتها الشرائية لدرجة ان اصبحت مجرد ورق (كلينكس) عليها نقوش اغلى من قيمتها.
استبشرالمواطن خيرا، لكن اختصاصيو الولولة والنواح مسبق الدفع استلوا اقلامهم وفتحوا افواههم دفاعا عن المستوردين المساكين وصناع (السرطنة) ممن يسمونهم الراسمال الوطني الذين لا يملكون من الوطنية الا الاسم، ويكاد احدنا يجزم انهم لا ياكلون مما يصنعون.
النائحات المستأجرات الذين يطلقون على انفسهم خبراء لم نسمع لهم صوتا يقدم حلولا تمس السواد الأعظم من الناس الذين يذرفون الدموع حين يصرخ اطفالهم جوعا ويعتصر قلوبنا الالم حين نسمع بكاء طفل لأن اهله لا يملكون ثمن الحليب لدرجة يجعلنا نتسائل، اين يعيش هؤلاء، هل يعيشون في الواقع الذي نعيشه ام هم في زمن آخر او في جغرافيا اخرى؟.
صناعة الفقر في الجنوب هي الوسيلة التي سلبت الانسان الجنوبي القدرة على الابداع الفردي منذ تأميم املاك الناس وطرد الراسمال الوطني الجنوبي، ثم جاء غزو ١٩٩٤م ليدمر نواة صناعة وطنية، خاضعة للرقابة، بإسم الخصخصة ولغير ذوي اختصاص.
خلال سنوات الحرب الممتدة منذ ٢٠١٥م الى الآن ذاق الانسان في الجنوب اقسى تجويع، هذا بخلاف صور المعاناة الاخرى، واضطر الناس الى بيع مقتنياتهم بتراب الفلوس وصل حد بيع اثاث منازلهم ليطعموا اطفالهم، ولا يعتقدن احد ان الامر اقتصر على المدن، فحتى في الارياف باع الناس ارضهم الزراعية لوافدين غرباء، ومن اراد ان يتأكد فليغادر برجه العاجي ويزور أرياف الجنوب.
خلال سنوات الحرب صنع تجار الحروب والازمات ثروات من رواتب ونثريات دولارية ومن الفساد المعلن، عجزت الاجهزة عن محاسبة فاسد واحد من تنابلة السلطة ولصوصها، وتحفز الناس ليحذون حذو حضرموت التي كانت سباقة في الحراك الجنوبي في ١٩٩٧م، لكن الاجراءات الحكومية الاخيرة بشأن العملة طمأنت الناس وجعلتنا نشعر (ان في الساحة رجال) وان روح التصدي للفوضى وللتلاعب باقوات الناس لا زالت حاضرة.
نشد على ايديكم يا من تصدرتم المشهد، وأمامكم مهام اخرى نريد التصدي لها بنفس الصلابة وستجدون كل شرفاء الوطن الى جانبكم في مواجهة النائجات بالأجر، وتذكروا قول المتنبي الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى.
مضر كوضع السيف في موضع الندى.
هامش:
هناك اكثر من فهم لقول الشاعر المتنبي لكن الفهم الذي قصدناه هو ان السلطة المتراخية في مواجهة الازمات تفقد قيمتها كما يفقد السيف حدته اذا وُضع في موضع رطب.
عدن
٤ اغسطس ٢٠٢٥م