آخر تحديث :الأربعاء-17 سبتمبر 2025-01:17ص

انخفاض سعر الصرف وانعكاساته الغائبة على أسعار الوقود

الأربعاء - 13 أغسطس 2025 - الساعة 08:53 ص
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


منذ سنوات تعودنا أن تتحرك أسعار البترول والديزل في بلادنا بسرعة البرق صعودًا مع كل ارتفاع في سعر الدولار وكأن هناك من يترصد كل تغير في سوق الصرف ليلًا ليخرج علينا مع صباح اليوم التالي بزيادة جديدة تثقل كاهل المواطن كانت هذه الزيادات تأتي بحجة واضحة "سعر الصرف ارتفع والتكاليف زادت"، فيتقبلها الناس على مضض مضطرين تحت ضغط الحاجة لهذه السلعة التي لا يمكن الاستغناء عنها.

لكن اليوم المشهد مختلف تمامًا فقد شهد الريال اليمني خلال الأسابيع الأخيرة تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار تجاوزت نسبته الأربعين بالمئة، وهو تحسن كبير في سوق الصرف يفترض وفق المنطق الاقتصادي البسيط أن ينعكس بشكل مباشر وفوري على أسعار الوقود تمامًا كما كانت ترتفع بنفس السرعة عند تدهور العملة إلا أن الواقع أثبت أن هذا الانعكاس المنتظر لم يحدث وكأننا أمام معادلة اقتصادية ذات اتجاه واحد الارتفاع سريع وفوري أما الانخفاض فبطيء، بل وأحيانًا غائب تمامًا.

إن أسعار البترول والديزل ليست مجرد أرقام على لوحة محطات الوقود بل هي أساس ترتكز عليه بقية أسعار السلع والخدمات في السوق. فهذه المواد هي عصب النقل والإنتاج والتوزيع وأي ارتفاع أو انخفاض فيها يترك أثرًا مباشرًا على أسعار الخضروات والفواكه والمواد الغذائية ومواد البناء وحتى أجور النقل العام لذا فإن الإبقاء على أسعار الوقود مرتفعة رغم تحسن سعر الصرف يعني ببساطة الإبقاء على الأعباء الثقيلة التي يرزح تحتها المواطن وعدم منحه أي فرصة لالتقاط أنفاسه.

المؤسف أن الجهات المعنية سواء كانت وزارة النفط أو شركات التوزيع تتذرع بمبررات واهية لتأخير خفض الأسعار متجاهلة مبدأ العدالة في التسعير وحق المستهلك في الاستفادة من أي تحسن اقتصادي وإذا كنا قد قبلنا الزيادة الفورية حين كان الدولار يرتفع فمن باب أولى أن نحصل على التخفيض الفوري حين يتحسن الريال لا أن يبقى المواطن يدفع ثمنًا مضاعفًا بلا مبرر.

تخفيض أسعار المحروقات اليوم لم يعد مطلبًا اقتصاديًا فحسب بل ضرورة اجتماعية وإنسانية لأنه سيسحب معه بالتبعية أسعار الكثير من السلع والخدمات نحو الانخفاض ويعيد شيئًا من التوازن المفقود في حياة الناس فالطاقة أرخص تعني نقل أرخص، وإنتاج أقل تكلفة وهذا بدوره ينعكس على السوق بشكل إيجابي ويمنح المواطن أملًا في أن هناك من يشعر بمعاناته.

إن تجاهل هذا التخفيض لا يضر فقط بجيوب المواطنين بل يضعف الثقة بين الناس والجهات المسؤولة ويؤكد شعورًا متزايدًا بأن الزيادات السريعة ليست سوى وسيلة لزيادة الأرباح بينما التحسينات الاقتصادية لا تترجم إلا في تقارير الإعلام الرسمي لا في حياة الناس اليومية وحين يغيب العدل في أبسط القضايا المعيشية يترسخ الإحباط وتتلاشى الثقة في أي إصلاحات قادمة.

لقد آن الأوان لأن تتحرك الجهات المعنية بسرعة وأن تبرهن أن القرارات الاقتصادية ليست مجرد طريق باتجاه واحد بل مسار متوازن يراعي مصلحة المواطن في الصعود والهبوط على حد سواء. فالوقود ليس رفاهية يمكن تأجيل الاستفادة من انخفاض سعره، بل سلعة أساسية تمس حياة كل فرد وتؤثر على كل شيء من رغيف الخبز إلى أجرة المواصلات.

وإذا كان المواطن قد تحمل لسنوات ارتفاع الأسعار كلما ارتفع الدولار فإن أقل ما يستحقه اليوم هو أن يرى الانخفاض بنفس السرعة والشفافية حتى يشعر أن المعادلة منصفة وأن هناك من يضع مصلحته في الاعتبار لا أن تبقى مصالحه مؤجلة إلى أجل غير مسمى.