يُحكى أن لصا قبضوا عليه بعد أن سرق مخزنا للمعونات وباعها في سوق السيلة.
وقف أمام القاضي، فقال له القاضي:
ـ هل أنت من سرق المعونات؟
أجاب اللص بثقة: نعم، يا سيدي القاضي وبكل فخر.
ـ ولماذا تعترف بسهولة؟
لأن شرف المهنة يقتضي أن لا أكذب.
أُعجب القاضي بـ"أمانته"، فقال:
ـ بما أنك صادق، فسأخفف حكمك، وأحكم بأن ترد المسروقات لأصحابها.
ابتسم اللص وقال: لا أستطيع، فقد وزعتها على تجار الجملة.
ـ إذن، تعيد المال بنفسك.
ـ للأسف ما أقدر، أنفقت على المسؤولين الكبار ما بقي على تحسين صورتي بين الناس.
فصمت القاضي، ثم قال:
ـ اذهب، فأنت لص، لكنك شريف.
اليوم، نحن نعيش وسط "لصوص شرفاء".
يسرقون المشاريع، الميزانيات، القروض، الهبات والمساعدات، وحتى الأكسجين لو استطاعوا، ثم يقفون أمام الكاميرات ليقولوا بكل فخر، "نعم، نحن حرامية، لكن والله وهذا المصحف الشريف، ما كذبنا عليكم"
الإعلام يحتفي بهم: "المسؤول الفلاني… رجل صريح، لا يخفي شيئاً عن الشعب!"، وكأن الصراحة تُحوّل السرقة إلى فضيلة.
والأدهى أن الناس تصفق لهم، وتقول: "على الأقل كان أفضل من غيره، لأنه كان يسرق وما ينسانا معه.
أما نحن، فصرنا مثل القاضي، نكتفي بإعجابنا بـ"أمانة" اللص، ونغض النظر عن المنهوبات نفسها.
فنتركهم يعودون إلى مكاتبهم محمّلين بحقائب جديدة، ليقسموا أمامنا بشرفهم أنهم سيكملون المهمة بأمانة وإخلاص كما بدأوها أول مرة.
بل أنهم يعدوننا بكل وقاحة، باستكمال مهمة تجفيف جيوبنا حتى آخر قطرة.
الخلاصة في مثال حي:
قبضت مكافحة المخدرات في عدن على تاجر مخدرات يبيع السم على أولادنا، فقال: نعم أنا تاجر وهذه بضاعتي، فلتعرضوني على القضاء العدل ليفصل في أمري.
ومن أول جلسة قضت المحكمة بتبرءة المتهم، لعدم توفر مادة في القانون اليمني تجرم هذه المادة المخدرة والسامة.
ناموا نامت عليكم حيطة.