آخر تحديث :الإثنين-01 سبتمبر 2025-11:15ص

عندما يكون السلطان تاجرا.

الأربعاء - 20 أغسطس 2025 - الساعة 04:01 م
د. عارف محمد عباد السقاف

بقلم: د. عارف محمد عباد السقاف
- ارشيف الكاتب


عندما يكون الحاكم ومعظم وزراء الحكومة وكبار المسئولين تجارا، تتحول الدولة من مؤسسة وطنية هدفها خدمة الشعب إلى كيان يسعى بالدرجة الأولى لحماية مصالح خاصة بالمسئولين. في هذه الحالة، تتداخل السلطة مع التجارة، وتضيع الحدود الفاصلة بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية، فتسود الفوضى الاقتصادية، ويترسخ الفساد، ويضعف دور الدولة كحكم عادل في إدارة شؤون المجتمع.

المسئول التاجر يملك سلطة القرار والقدرة على التحكم في القوانين والموارد، وفي الوقت نفسه يملك تجارة خاصة يسعى لتنميتها. وبدلا من أن يسن التشريع لصالح المواطنين، يفصل ليخدم مشاريع خاصة، فيتحول الجهاز الحكومي إلى أداة لحماية مصالح محدودة بدلا من حماية المصلحة العامة.

و حين يتغلغل الوزراء والمسئولون في التجارة، تصبح المنافسة في السوق غير متكافئة. التاجر البسيط أو المستثمر المحلي لا يستطيع الوقوف أمام قوة المسئول الذي يملك النفوذ والقرارات، فتضعف المنافسة، وترتفع الأسعار، وتنتشر الاحتكارات التي ترهق المواطن و تخنق الاقتصاد.

الموارد التي كان من المفترض أن توجه لتطوير التعليم، الصحة، والبنية التحتية، يتم تسخيرها لخدمة الأنشطة التجارية الخاصة بالمسئولين. وبدلا من أن تكون المشاريع العامة أداة لتنمية شاملة، تتحول إلى قنوات لإثراء فئة محدودة.

و حين يدرك المواطن أن الدولة أصبحت شركة تدار لمصلحة القلة الحاكمة أو المرتبطة بالسلطة بمصالح تجارية وشخصية، يفقد المواطن ثقته بالمؤسسات والقوانين. ويشعر أن العدالة غائبة، وأن السلطة تحمي من يملكون النفوذ والمال فقط. هذه الحالة تولد احتقانا اجتماعيا، وتزرع بذور التمرد والاضطرابات.

تحالف السلطة مع التجارة على حساب المواطنين يجعل الدولة عاجزة عن التطوير والإصلاح. ومع مرور الوقت، يتراجع الاستثمار الوطني، ويهاجر رأس المال والكفاءات بحثا عن بيئة نزيهة وعادلة. وهكذا تتحول الدولة إلى كيان هش، تتآكله الأزمات ويضعف أمام التحديات الداخلية والخارجية.


المعالجات المقترحة:


١. يجب سن قوانين صارمة تمنع الوزراء والمسئولين من مزاولة الأنشطة التجارية أثناء توليهم المناصب العامة.


٢. إصدار تشريعات تلزم كل مسئول بالإفصاح عن ممتلكاته التجارية والمالية قبل وأثناء وبعد شغله للمنصب و معاقبة أي مسئول يثبت أنه استغل منصبه لمصالحه الخاصة بعقوبات إدارية و جنائية.


٣. إنشاء هيئة عليا مستقلة لمكافحة تضارب المصالح والاحتكار، تراقب نشاطات الوزراء والمسئولين وأسرهم التجارية و منح هذه الهيئة صلاحيات فعلية للتحقيق والمحاسبة، بعيدا عن تدخل الحكومة.


٤. يجب تعزيز الشفافية و الإفصاح العام و نشر الموازنة العامة للدولة بشكل واضح للمواطنين، مع بيان أوجه الصرف. و إعلان نتائج المناقصات والمشاريع الحكومية بشفافية لمنع تحويلها إلى شركات مملوكة للمسئولين أو أقاربهم.


٥. يجب دعم المستثمرين المحليين ومنع الاحتكار بفتح السوق أمام الجميع بشروط متكافئة و تقديم حوافز للتجار والقطاع الخاص النزيه بعيدا عن نفوذ المسئولين.


٦. ربط المناصب العليا بفترات زمنية محددة وتقييم أداء كل مسئول وفقا لمدى خدمته للمصلحة العامة وتفعيل دور المسٱئلة و القضاء.


٧. نشر ثقافة رفض تضارب المصالح بين أفراد المجتمع، حتى لا يتحول الفساد إلى سلوك مقبول، كما يجب تعزيز القيم الوطنية التي تضع خدمة الشعب فوق المصالح الفردية.

إن معالجة ظاهرة الحاكم أو المسئول التاجر تتطلب إرادة سياسية جادة، وتشريعات واضحة، وآليات رقابة صارمة، إضافة إلى وعي مجتمعي يرفض استغلال السلطة.