رغم التعافي الملحوظ للريال اليمني في الأيام الأخيرة، ظل المواطن البسيط يترقب بصيص أمل يخفف من وطأة المعاناة التي أثقلت كاهله لسنوات غير أن هذا الأمل سرعان ما خبا حين اكتشف أن أسعار السلع الأساسية لم تنخفض كما كان يُفترض بل بقيت مرتفعة كما هي وكأنها لا تعبأ بتحسن قيمة العملة.
المفارقة هنا تكشف عن معضلة أعمق من مجرد صعود وهبوط للعملة إنها مشكلة غياب الرقابة وضعف الأجهزة الرسمية في ضبط الأسواق فالتاجر في ظل هذه الفوضى يتحول إلى المتحكم الأول في مصير المواطن يرفع الأسعار متى شاء بحجة تدهور الريال لكنه لا يخفضها حين يستعيد شيئاً من عافيته.
لقد بات واضحاً أن الأزمة لم تعد أزمة اقتصادية بحتة بل هي في المقام الأول أزمة إدارة ورقابة فالدول التي تعاني من أزمات عملة مشابهة تُعالج الأمر عبر سياسات رقابية صارمة تفرض على التجار الالتزام بقوائم أسعار تتناسب مع قيمة العملة وتُعاقب المخالفين أما في واقعنا فإن ضعف أجهزة الدولة وتنازع السلطات وغياب المسؤولية فتح الباب واسعاً أمام الاستغلال على حساب قوت المواطن اليومي.
إن المواطن الذي يعيش بين مطرقة تدهور الرواتب وسندان غلاء الأسعار يدفع ثمن هذا الخلل الإداري والرقابي وما لم تتحرك الجهات المختصة بجدية لإلزام التجار بالتسعيرة العادلة وربطها بقيمة العملة فإن أي تحسن في الريال سيظل بلا معنى بل مجرد رقم على شاشات الصرافين لا ينعكس على حياة الناس.
إن القضية في جوهرها ليست "سوقاً حرة" كما يروج البعض بل فوضى اقتصادية تستغل حاجة الناس في غياب الدولة وهنا تبرز الحاجة إلى قرار حازم من السلطات إما أن تتحمل مسؤولياتها في حماية المستهلك أو تعلن عجزها أمام المواطن لتضعه في الصورة الكاملة بدلاً من تركه يصارع وحده في مواجهة جشع لا حدود له.
فالتعافي الحقيقي للعملة لا يُقاس في سوق الصرافة بل في سلة المستهلك وفي قدرة المواطن على شراء خبزه ودوائه واحتياجات أسرته وكل ما عدا ذلك مجرد أرقام لا قيمة لها على أرض الواقع.