في زحام المدن المنهكة، تبقى عدن استثناءً.. مدينة تُقاوم النسيان بالإبداع، وتحيا بالفن رغم كل الأوجاع. ومن بين أصواتها التي لم تخفت يومًا، صوت الموسيقار الكبير أحمد بن غوذل، أحد أعمدة المشهد الثقافي، ومدير عام مكتب الثقافة بمحافظة عدن، الذي يخوض اليوم معركة الحياة على سرير المرض، بعد تعرضه لأزمة قلبية حادة أدخلته مستشفى محمد بن سلمان، وسط وضع صحي متدهور ينذر بالخطر .
لكن القصة أبعد من مجرد مرض.. إنها حكاية وفاءٍ غائب، وتاريخ يُنسى أمام أعيننا.
لم يكن أحمد بن غوذل يومًا مجرد موظف في جهاز إداري، بل كان ولا يزال قامةً ثقافية وفنية ملهمة، كرّس عمره لخدمة الإبداع في عدن، فنانًا حقيقيًا ومسؤولًا استثنائيًا نذر نفسه من أجل الفن، وأضاء بموسيقاه ودعمه المستمر مساحات الأمل في مدينة عانت كثيرًا.
عبر عقود من العطاء، قدّم بن غوذل الكثير للثقافة والفنون في اليمن، ولم يتخلّ عن دوره في أصعب المراحل. كان صوته، وجهده، وإيمانه العميق بالرسالة الثقافية هو الوقود الذي حافظ على نبض المشهد الثقافي في عدن، من خلال دعم الفنانين، وإحياء الفعاليات، وحماية الهوية الإبداعية في وجه التجاهل والتحديات.
اليوم، الموسيقار الذي طالما غنّى للوطن والحياة، يصارع المرض بصمت موجع، دون أن يحظى بالرعاية الصحية الكافية، أو التفاتة تليق بتاريخه. لا أجهزة رسمية استجابت بما يلزم، ولا تحركات عاجلة أنقذت ما يمكن إنقاذه، وكأنما المبدع يُنسى حين لا يعود قادرًا على العطاء.
إن استمرار تجاهل الحالة الصحية للفنان أحمد بن غوذل لا يُعد مجرد تقصير، بل إهانة لذاكرة مدينة، وخذلان لتاريخٍ كامل من الإبداع.
■إننا، إذ نطلق هذا النداء، نُخاطب ضمائر الجميع: من القيادة السياسية، إلى وزارة الثقافة، إلى المجتمع المحلي، وكل محبٍ للفن والإنسانية. نناشدهم بالتحرك الفوري لتوفير الرعاية الصحية الكاملة لهذا الرمز الثقافي، سواء داخل الوطن أو خارجه.
إن إنقاذ أحمد بن غوذل اليوم، ليس مجرد عمل إنساني فحسب، بل هو موقف وطني وأخلاقي، واعتراف بقيمة الفن في زمن عزّ فيه الوفاء.
■ في كل وطن، يبقى الفنانون والمبدعون مرآةً لروحه، وضميرًا حيًا يذكّر بأجمل ما فيه. وأحمد بن غوذل لم يكن يومًا بعيدًا عن هذا الدور. الوقوف إلى جانبه اليوم، هو وقوف إلى جانب عدن، إلى جانب الفن، إلى جانب الحقيقة.
لنتذكّر دائمًا:
"الأوطان التي لا تحمي مبدعيها، تُفرّط في أنبل ما تملك."
