في لحظة يُفترض أن تكون علامة فارقة في مسار إصلاح المؤسسات وبناء الدولة، تلقى الوطن صفعة موجعة باستقالة الأستاذ سالم ثابت العولقي من رئاسة الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني. إنها ليست مجرد استقالة إدارية عابرة، بل حدث صادم يكشف مدى تغلغل الفساد، واستقواء مافيا الأراضي على حساب المصلحة العامة.
العولقي لم يكن موظفاً عادياً، بل كان رمزاً للنزاهة، والشجاعة، واتخاذ القرار، في وقت باتت فيه هذه القيم عملة نادرة في جسد الدولة المترهّل. قراراته الصارمة، وجهوده في استعادة هيبة الهيئة، ومواجهته العلنية للفوضى والنهب، جعلت منه هدفاً مباشراً لكل من يرى في الإصلاح تهديداً لمصالحه.
استقالته لم تكن هروباً، بل كانت موقفاً أخلاقياً ووطنياً من الطراز الأول. لقد رفض أن يكون شاهد زور على تخريب الوطن، ورفض أن يُستخدم كواجهة لإضفاء الشرعية على عبث النافذين. إنها صرخة مدوية، موجهة لكل من لا يزال يراهن على إمكانية الإصلاح من الداخل في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية.
تساؤل مشروع.. بل واجب :
من الذي أوقف تنفيذ قراراته؟
من الذي قاوم إرادته في مكافحة الفساد؟
من الذي انتصر على صوت الحق، وأسكت صوت النزاهة؟
إنه تحالف غير معلن بين الفساد والسلطة، بين من يملكون النفوذ، ولا يرغبون برؤية الوطن يمضي نحو الإصلاح. إنه ذات الحلف الذي أفشل مؤسسات، وشوّه القوانين، وأجهض أحلام البسطاء في العيش بكرامة.
إذا كان الوطن يخسر أمثال سالم العولقي، فمن الذي يحكم قبضته على القرار؟
وإذا كان كل مصلح يُحاصر، ويُجبر على الانسحاب، فهل ما زال لدينا أمل في دولة القانون؟
أم أننا دخلنا فعلاً مرحلة "تطفيش الكفاءات" لصالح تكريس العبث والفوضى؟
هذه ليست نهاية القصة، بل بدايتها.
فكل استقالة نزيه هي شهادة على عجز الدولة أمام لوبيات الفساد، ودليل جديد على أن معركة بناء الوطن لم تبدأ بعد بالشكل الجاد. ما نحتاجه اليوم ليس فقط التضامن مع العولقي، بل رفع الصوت عالياً، والمطالبة بالتحقيق في أسباب الاستقالة، ومحاسبة من تسببوا في إجهاض مسيرة الإصلاح.
إن التاريخ لا يرحم، وسيسجّل أسماء من خذلوا الوطن، كما سيسجّل أسماء من رفضوا الانحناء للعاصفة.
رحيل سالم العولقي من الهيئة، خسارة فادحة للوطن، لكنها أيضاً كاشفة لما يجري خلف الكواليس ، فهل من وقفة؟ أم أن الصمت أصبح الخيار الوحيد؟
