ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لم تكن مجرد حدث عابر في تاريخ اليمن بل كانت ميلاد وطن جديد ونقلة كبرى أخرجت الشعب من ظلمات قرون طويلة عاشها تحت حكم كهنوتي جائر حكم ارتدى عباءة الدين ليمارس أبشع صور الاستبداد والتمييز والفقر والجهل والمرض سبتمبر لم تعنِ لليمنيين مجرد الانتقال من نظام إلى آخر بل كانت الخلاص من حكم عنصري متجبر ادعى لنفسه الحق الإلهي في الحكم وتباهى بالوصاية الدينية والسياسية والعلمية على حساب الملايين من أبناء الوطن لقد كانت الإمامة مشروع استعباد ممنهج حولت اليمنيين إلى رعايا من الدرجة الثانية لا يُنظر إليهم إلا كخدم لمجموعة تدّعي القداسة والسلالة.
جاء 26سبتمبر ليكسر تلك القيود الثقيلة ويفتح للشعب أبواب الحرية والكرامة والمساواة تحرر اليمني من فكرة أن هناك من هو أحق بالحكم لمجرد انتمائه إلى نسب معين أو أن هناك من يملك العلم والفهم والسلطة على عقول الناس وحياتهم أشرقت شمس الجمهورية لتعيد الاعتبار للشعب كمالك وحيد للسلطة وصاحب الحق في بناء دولته ومصيره فكان 26سبتمبر بداية مشروع وطني تحرري جمع اليمنيين على كلمة سواء.
لكن ما جهلته أجيال ما بعد سبتمبر أو ما لم تلمسه مباشرة جاء الحوثي بنسخته المعاصرة ليكشفه بوضوح أعاد الحوثي للأذهان صورة الكهنوت بوجهه القديم لكن بثوب جديد مدعوم من فارس أتى ليقول بالقول والفعل هذه هي الإمامة وهذا هو سلوك الكهنة منذ وطأت أقدامهم أرض اليمن نفس النظرة الاستعلائية التي ترى اليمنيين مجرد رعايا ونفس الأسلوب القائم على الإفقار والنهب ولكن أضيف إليه اليوم بعد خارجي دخيل هو المشروع الإيراني الذي يسعى إلى طمس هوية اليمني ومسخ ثقافته وولائه لوطنه وتحويله إلى تابع ذليل لولاية الفقيه.
لم يتغير المنهج فهو ذاته المنهج الذي يجعل من السلالة "مقدسة" ومن الشعب خادماً لها لم يتغير السلوك فهو ذاته السلوك القائم على الاستئثار بالسلطة والمال وإغراق الشعب في أتون الفقر والجهل ليظل خاضعاً ومقهوراً لكن الجديد في النسخة الحوثية هو محاولة ابتلاع اليمن ضمن مشروع خارجي أكبر يهدف إلى سلخ اليمني من أرضه وتاريخه وجعله أداة في يد فارس وسلاحاً في يد الولي الفقيه.
غير أن اليمني ليس طارئاً على هذه الأرض بل هو صاحبها ووارث مجدها وسليل حضاراتها الضاربة في عمق التاريخ اليمني الذي رفض الكهنوت بالأمس وأسقط عرش الإمامة سيعيد الكرة غداً ليسقط النسخة الجديدة التي ارتدت عباءة الحوثية مهما غلّفت نفسها بشعارات كاذبة ومهما تلونت بشعارات "المقاومة" أو "الدفاع عن المستضعفين" اليمني لا يمكن أن يقبل أن يُحكم باسم السلالة أو أن يُستعبد باسم الدين وهو الذي أطلق ثورته الأولى لينهي تلك المهزلة.
26سبتمبر ليس تاريخاً مضى بل هو روح متجددة في وجدان كل يمني حر 26سبتمبر هو وعد متجدد بأن الكرامة لا يمكن أن تُصادر وأن العبودية لا يمكن أن تستمر وأن الاستبداد مهما طال عمره مصيره إلى السقوط سيظل اليمنيون يرفعون راية سبتمبر ويستلهمون منها دروس التضحية والفداء ليصنعوا غداً جديداً خالياً من الكهنوت القديم والحديث.
وكما كان اليمني بالأمس هو صانع النصر وصاحب الكلمة سيكون غداً أيضاً على موعد مع النصر الكبير عندما يتخلص من الحوثية بثوبها الفارسي ويعيد للجمهورية وهجها وللوطن حريته وكرامته26 سبتمبر المجيد لم يكن يوماً صفحة من الماضي بل هو كتاب مفتوح يكتب اليمنيون فصوله بدمائهم وتضحياتهم جيلاً بعد جيل حتى تظل راية الحرية خفاقة وحتى يبقى اليمن كبيراً وعزيزاً أبياً على الطغاة والكهنة.