عبدالناصر المودع
الحركة الحوثية مثالًا واضحًا لما يُعرف في علم الاجتماع السياسي بـ "الحركة المتوحشة". وهي الحركات التي لا يكون فيها القمع والعنف مجرد أدوات أو تكتيكات تُستخدم عند الضرورة، بل هما طبيعة بنيوية وجزء جوهري من كيانها ذاته. في هذا السياق، لا يكون التوحش خيارًا سياسيًا يمكن تنظيمه أو التخلي عنه، بل هو آلية دائمة للتعامل مع المجتمع، والخصوم، والحلفاء المؤقتين، وحتى مؤيديها الذي تعتقد أن ولائهم ليس مطلقا.
إن الطبيعة البنيوية للحوثيين، القائمة على العنف والقسوة، تجعلهم غير قادرين على تبني أنماط سلوكية عقلانية أو مرنة، لأنهم يفتقرون أساسًا إلى الأدوات السياسية للحكم الحديث، مثل بناء التوافق أو العمل ضمن نظام تعددي. وبدلًا من ذلك، يصبح العنف هو اللغة الوحيدة التي تفهمها الحركة وتتواصل بها – سواء داخل تنظيمها الداخلي أو في تفاعلاتها مع محيطها. وبمرور الوقت، تتفاقم هذه الوحشية وتتوسع في جميع الظروف، سواء كانت الحركة في حالة ضعف أو قوة وطمأنينة.
ففي أوقات الضعف، تعوض الحركة عجزها عن كسب الدعم الطوعي أو ما يُعرف بـ "الشرعية" من خلال القسر والعنف بسبب افتقارها إلى قاعدة شعبية واجتماعية، ولهذا نجدها تعتمد على نشر الخوف للحفاظ على التماسك الداخلي، وردع خصومها، وتقديم نفسها كقوة عنيفة لا تُقهر.
وعندما تكون الحوثية في موقع القوة والهيمنة، يتحول التوحش إلى أداة للسيطرة الشاملة. فلحظات القوة تعد بالنسبة للحوثيين فرصة تاريخية لإعادة تشكيل المجتمع بالصورة التي يريدونها. فيتم تكثيف التلقين الإيديولوجي لجميع فئات المجتمع عبر كل وسائل التأثير والتعبئة المباشرة وغير المباشرة، الحديثة منها والتقليدية، من قبيل: الدورات الثقافية، والمعسكرات الصيفية، والمظاهرات الجماهيرية الدائمة، وخطب الجمعة، والمناهج التعليمية، ووسائل الإعلام، والفنون، وغيرها من الأدوات.
إلى جانب ذلك؛ يستغل الحوثيون فترة القوة ليزدادوا توحشا تجاه الخصوم، والمشكوك في ولائهم من الحلفاء أو الانصار، ليزيلوا أي معارضة محتملة مهما كانت محدودة لضمان قبضتهم الدائمة على السلطة.
أما حين تواجه الحركة خطرا حقيقيا وتهديدات داخلية وخارجية، فإن التوحش يتخذ شكلا هستيريا مما يؤدي إلى تصعيد للقسوة بشكل عشوائي ومتهور. وخلال هذه الفترات، يُستخدم الاختطاف والإرهاب على نطاق واسع، وتبدو الحركة حينها وكأنها تخوض "معركتها الأخيرة".
وبالنظر إلى هذه الدينامية، فمن المتوقع أن يتصاعد توحش الحوثيين بشكل أكبر في أعقاب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. حيث يسيطر على قادة وكوادر الحركة خوف عميق وارتباك بعد الضربات التي استهدفت مواقع حيوية وشخصيات مهمة. ومن منظور حركة متوحشة، فإن هذا الخوف والخسائر لن يؤدي إلى خفض التصعيد، أو التواصل مع المجتمع وخلق حلفاء؛ وما سيحدث العكس تماما، حيث يتم اللجوء للتوحش بشكل مفرط وعشوائي. وهذا يعني بأنه قد يستهدف الأطراف التي لا تشكل أي تهديد على الإطلاق، مثل الموظفين الدوليين أو المدنيين العاديين. وفي هكذا ظروف، يصبح التوحش نفسه هو الرسالة والغاية، من أجل إرهاب وإخضاع الجميع.
توحش الحوثيين يمتزج بهذيان ديني، وهو ما يجعلهم يمارسونه براحة ضمير وبدوافع تبدو من وجهة نظرهم نبيلة، كما أن هذيانهم الديني، والذي يجعلهم يعتقدون بحماية وتمكين إلهي، يغلق الباب أمام أي نصيحة أو دعوات للاعتدال. وعليه نجد أن الحركة تعتبر أي اقتراح لتخفيف قسوتها جبنًا وخيانة لمشروعها الأيديولوجي ومخالفة لأوامر الله، ومن ثم يتم وصم من يطالبهم بالاعتدال وتغيير نهجهم المتوحش بمثابة تواطؤ مع العدو.
إن أخطر تحدٍ يواجه اليمنيين والعالم في التعامل مع الحوثيين هو أنهم ليسوا فاعلاً سياسيًا تقليديًا يمكن احتواؤه من خلال المفاوضات، أو الضغط الاقتصادي والدبلوماسي، أو حتى ترتيبات تقاسم السلطة. إنهم كيان مبني على الإقصاء والعنف الدائم، وغير قادر على الاعتدال وغير راغب في قبول التسوية. وهذا يجعلهم تهديدًا ثابتًا ولا يمكن تحييده ولا يمكن التعامل معه إلا من خلال استراتيجية شاملة تهدف إلى القضاء عليهم بشكل كامل وتجريم أيديولوجيتهم.