لطالما كانت مدينة تعز أيقونة الثقافة اليمنية، ومنارة الفكر والنضال، ومهدًا للثورات التي غيرت وجه التاريخ اليمني.
لم تكن تعز مجرد مدينة، بل كانت حالة وطنية متقدمة، تُحسب لها ألف حساب، حتى في عهد الأئمة الذين كانوا يتوجسون من يقظة أبنائها ورفضهم للظلم.
في ثورتي سبتمبر وأكتوبر، كانت تعز قبلة الثوار، ومركزًا للحراك السياسي والاجتماعي، ورافعة للوعي الوطني. أبناؤها ساهموا في بناء اليمن الحديث، وتركوا بصماتهم في مجالات الثقافة، والفن، والتنمية، والاقتصاد. يكفي أن نذكر الفنان الكبير أيوب طارش، الذي غنى للشجر والحجر، فامتد صوته ليملأ زوايا الوطن بألحان الانتماء والكرامة.
حتى الرئيس السابق علي عبدالله صالح، رغم سلطته، كان يتحاشى استفزاز تعز، مدركًا أنها لا تقبل الضيم، ولا ترضى بالدنية.
كانت تعز دائمًا في الصدارة، حاضرة في وجدان اليمنيين، ومصدرًا للفخر الوطني.
لكن، وآه من لكن...
في ظل الظروف الراهنة، تشهد تعز تحولات مقلقة، وأحداثًا لا تشبه تاريخها ولا أخلاق أبنائها.
فقد باتت المدينة تعاني من انهيار في الملفات الإنسانية والأمنية والاقتصادية، وسط غياب واضح للسلطة الفاعلة، وتراجع في منظومة القيم التي طالما ميزت المجتمع التعزي.
آخر هذه الأحداث، اغتيال مديرة صندوق النظافة—امرأة—في مشهد صادم لا يليق بمدينة الثقافة. ففي الوعي اليمني، الاعتداء على امرأة يُعد سقوطًا أخلاقيًا مدويًا، وانحدارًا غير مسبوق في السلوك العام.
ما كان يمكن تخيله خارج تعز، بات واقعًا فيها، وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول ما آلت إليه الأمور.
هل وصلت تعز إلى مرحلة "الصعلكة"؟
هل باتت المدينة التي كانت تُغني للحياة، تحتضر تحت وطأة الفوضى؟
إن ما يحدث اليوم في تعز لا يجب أن يُقرأ بمعزل عن تاريخها، بل يجب أن يُفهم كنداء استغاثة من مدينة كانت دومًا في طليعة النهوض، وهي الآن بحاجة إلى من يعيد لها روحها، ويصون إرثها، ويوقف هذا الانحدار قبل أن يتحول إلى واقع دائم.
تعز لا تموت، لكنها تنزف.
والواجب الوطني والأخلاقي يحتم علينا أن نعيد لها اعتبارها، لا أن نرثيها.