في مدينة تعز، لم تكن جريمة اغتيال الأستاذة افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة، مجرد حادثة عابرة. بل هي صرخة موجعة في وجه الفوضى، والانفلات الأمني الذي بات يلتهم كرامة المدينة، وأرواح أبنائها. لم تكن هذه الجريمة نتيجة لفعل فردي، بل هي تتويج مأساوي لتخاذل السلطات، وتواطؤ الأجهزة الأمنية التي تركت الضحية تواجه مصيرها وحيدة بعد أن رفعت بلاغات رسمية بالأسماء ضد أشخاص.
لقد علقت المشهري بوضوح على ما تعرضت له من تهديدات، وبلطجة أقدمت على رفع بلاغات رسمية، حيث كشفت تسريبات صوتية عن أنها رفعت قضايا إلى الجهات المختصة، لكن هذه الجهات لم تحرك ساكنًا، وكأنها تنتظر وقوع الكارثة! هذا التهاون الجنائي هو الذي أتاح للقتلة تنفيذ جريمتهم الشنعاء دون خوف أو رادع!
جريمة غير مسبوقة
من المحزن أن تكون تعز مسرحًا لجريمة لم تشهدها البلاد من قبل، وهي اغت..يال امرأة بهذه الطريقة البشعة. لم تكن هذه الجريمة لأسباب سياسية مصيرية، بل كانت نتيجة لبلطجة فارغة واستقواء من قبل نافذين يحسبون أنهم فوق القانون.
و في مجتمعاتنا، يُنظر إلى المساس بالمرأة على أنه تجاوز لكل الخطوط الحمراء، فكيف إذا كانت الضحية امرأة شجاعة نذرت نفسها لخدمة مدينتها؟
عائلة واحدة وشبكة من الجريمة
ما يزيد الأمر مرارة هو التفاصيل الصادمة التي تكشف عن شبكة من التواطؤ العائلي، والجنائي. مأساة أن نرى نفس العائلة تتورط في الأدوار المختلفة للجريمة: "الوكيل المخلافي" يلاحق "القاتل المخلافي" بأفراد وأسلحة "المخلافي"، بينما يتوسط "الشيخ المخلافي" لتسليم المتهم ويهربه "البلطجي المخلافي" ليأوي في بيت منهوب يملكه "المسؤول المخلافي"!!
هذه الجريمة هي شهادة على أن القانون في تعز أصبح مجرد حبر على ورق، وأن هناك من يعتقد أن دماء الأبرياء لا قيمة لها. فإذا ضاقت الدائرة على الجاني، فإنه سيتم تهريبه إلى مناطق أخرى، ليجد هناك من يتولى حمايته والدفاع عنه من أبناء جلدته الذين يبررون الجريمة في الإعلام والكتابة!!
إن هذا العمل الإجرامي لا يشوه سمعة منطقة "المخلاف" فقط، بل يلطخ كرامة تعز بأسرها. إنها دعوة لكل شريف للتنديد بهذا الفعل المشين، الذي أزهق روح امرأة بأكثر من 20 رصاصة، ودعوة للمطالبة بتقديم الجناة إلى العدالة. الصمت على هذه الجريمة هو تواطؤ مع القتلة وتهوين لدماء الأبرياء.
لؤي العزعزي