آخر تحديث :الخميس-16 أكتوبر 2025-11:49ص

حضرموت تُدرّس الأزمة: من يُعطّل التعليم؟

الثلاثاء - 23 سبتمبر 2025 - الساعة 01:59 م
طه بافضل

بقلم: طه بافضل
- ارشيف الكاتب


شهدت مديريات ساحل حضرموت، اليوم الثلاثاء 23 من سبتمبر الجاري، عدة وقفات احتجاجية نظمها المعلمون أمام مكاتب التربية والتعليم، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة وتوفير حوافز شهرية تضمن الحد الأدنى من الكرامة المعيشية. ورفع المحتجون شعارات تطالب برحيل السلطة المحلية، متهمين المحافظ ومكتبه التنفيذي بتعطيل الحلول وتجاهل المطالب، في وقت أقدمت فيه الجهات الأمنية على اعتقال قيادات نقابة المعلمين، في خطوة اعتُبرت تصعيدًا خطيرًا يُهدد مستقبل العمل النقابي في المحافظة.


في حضرموت، لا يُضرب المعلمون عن التعليم، بل يُضرب التعليم عن الحياة بفعل سلطة قررت أن تُدير الأزمة لا أن تحلّها، وأن تُعاقب من يطالب بحقه بدلًا من أن تستمع إليه. المعلمون طرقوا كل الأبواب، وقدموا كل المبادرات، ورضوا بالحافز كحد أدنى، لكن السلطة أغلقت أذنيها وفتحت أبواب التصعيد. تجاهل المطالب، ورفض الحوار، والتلويح بالعقوبات، كلها مؤشرات على رغبة في كسر إرادة المعلم لا حل مشكلته.


وفي بيان شديد اللهجة، أدانت نقابة معلمي وتربويي حضرموت الساحل إقدام الأجهزة الأمنية على اعتقال قياداتها، ووصفت الخطوة بأنها "تعسفية" و"تعدٍ صارخ على الحريات النقابية وحقوق الإنسان". وقد شملت الاعتقالات كلًا من رئيس النقابة الأستاذ عبدالله أحمد الخنبشي، وعضوي السكرتارية الأستاذ محمد سالم بافقاس، والأستاذ عبدالله حسن باراسين، على خلفية ممارستهم لحقهم المشروع في العمل النقابي والدفاع عن حقوق المعلمين.


البيان اعتبر هذه الإجراءات محاولة يائسة لإسكات الأصوات المطالبة بالعدالة، وانتهاكًا صريحًا للحقوق المكفولة دستوريًا، مؤكدًا أن العمل النقابي ليس جريمة، بل هو حق مشروع. وطالبت النقابة بالإفراج الفوري عن المعتقلين، ووقف جميع أشكال الملاحقة والترهيب، محذّرة من أن تجاهل المطالب سيؤدي إلى تصعيد أكبر في الاحتجاجات حتى تحقيق جميع الأهداف.

من يُعتقل لأنه طالب بالحافز، لا يُدان، بل يُكرّم. ومن يُشيطن النقابة، لا يُدير أزمة، بل يُدير انقلابًا على أبسط قواعد العدالة.


الهتافات التي تطالب برحيل المحافظ ليست انفلاتًا، بل تعبير عن موقف سياسي مشروع في وجه سلطة اختارت أن تكون جزءًا من المشكلة لا من الحل. من يُصرّ على استمرار الأزمة، ويُعاقب من يطالب بحقه، لا يستحق أن يبقى في موقع القرار. الهتاف ليس شتيمة، بل صرخة مجتمع يريد أن يتنفس، أن يتعلّم، أن يعيش.


لا أحد يُحب الإضراب، لكن لا أحد يقبل الإذلال. العودة للتعليم مرهونة بعودة السلطة إلى رشدها، لا بتهديد المعلمين أو شيطنتهم. الأزمة التعليمية لن تُحلّ بالزنازين، بل بالحوار والاستجابة للمطالب المشروعة.

حين تُدار الأزمة التعليمية بمنطق التهديد والاعتقال، فنحن لا نعيش في ظل دولة، بل في ظل "عصابة" تملك ختمًا رسميًا. الدولة تُصغي، تُفاوض، تُنصف. أما العصابة، فتُخرس، تُعاقب، وتُراكم الغضب حتى ينفجر.