آخر تحديث :الثلاثاء-04 نوفمبر 2025-03:08م

تعز.. من مناهل علم إلى أنهار دم

الأربعاء - 24 سبتمبر 2025 - الساعة 08:09 م
فهد البرشاء

بقلم: فهد البرشاء
- ارشيف الكاتب



ذات عام كتبت مقالاً طويلاً امتدحت فيه محافظة تعز: الأرض والإنسان، وحلّقت عالياً في محامد أهلها الطيبين وثقافتهم وأخلاقهم، وكيف أنهم في كل سهل وجبل ومحافظة يتواجدون.


حينها كنت أعني ما أقول، لا لشيء، ولكن لأن تعز الأرض والإنسان والثقافة والعلم أجبرتنا أن نكتب ذلك بكل حيادية وصدق ومحبة. فميادين العلم تشهد بذلك، ولا يُذكر العلم والجامعات إلا وكان لتعز نصيب الأسد.


لم تكن تعز يوماً تحمل في أيدي أبنائها إلا القلم والقرطاس، يتقدّمون الصفوف في المدارس والجامعات، ويتبوؤون المناصب في الوظائف، وحُقّ لهم ذلك الشيء.


كانت تعز حينها منارة علم يُهتدى بها، وناراً على علم، ولم تكن يوماً ساحة احتراب واقتتال، رغم كل التباينات التي فيها، فالكل متعايشون مع غيرهم، لا فرق بين هذا وذاك.


حتى ظهرت ثورة الخراب العربي التي قادها المتمصلحون ــ ممن سيتأففون من مقالي هذا ــ وكانت بداية الخراب لليمن عامة وتعز خاصة. فتحولت تعز من محافظة يحمل أبناؤها شموع العمل والثقافة، إلى معاول الهدم والتخريب والفوضى والعبثية. واستطاعت الكثير من التيارات أن تشرذمهم وتزرع الفرقة فيما بينهم، إلى جانب الحرب اللعينة التي أتت على كل شيء.


انجرّ كثير من أبنائها خلف تيارات الخراب والفوضى والعبثية، وتحولت تعز إلى ساحة احتراب واقتتال وفوضى ودماء، وحصدت الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في كل هذا، غير أن أقدار الله شاءت أن يكونوا ضحية البلاطجة والفوضويين.


ما يحدث في تعز ربما يحدث في محافظات أخرى بصورة أبشع من ذلك، إلا أن المؤلم في هذا أن تعز قبلة الثقافة والأدب والشعر والعمل والثورة العلمية، ومؤلم أن تتحول في غمضة عين إلى أثراً بعد عين، وتتبدل أحوالها تماماً.


طبعاً ما حملني على هذا المقال هو القتل الممنهج الذي تشهده تعز، وكان آخره قتل الدكتورة أفتَهان المشهري بطريقة وحشية مؤلمة يُندى لها الجبين وتهتز لها القلوب وجعاً وحرقة وانسحاقاً، لمجرد القتل وتصفية الحسابات التافهة التي لا تصل إلى القتل. ولكن لأن الدم والسلاح أصبحا اللغة الوحيدة المتعارف عليها في تعز، قُتلت أفتَهان شاهر.


أتمنى والله أن يسود تعز الأمن والأمان، وأن تُنزع عنها لباس العبثية والفوضوية والقتل، وتُزهر فيها لغة السلام، وتعود لسابق عهدها وأيام مجدها التي يتوق لها كل من لا يعرفها، ويتمناها كل من يسمع عنها..