آخر تحديث :الأربعاء-10 ديسمبر 2025-06:42م

عقلان مختلفان

الخميس - 25 سبتمبر 2025 - الساعة 09:41 م
سناء العطوي

بقلم: سناء العطوي
- ارشيف الكاتب


لطالما أثارني هذا السؤال: لماذا يفكر الرجل بطريقة تختلف عن المرأة؟ ولماذا يبدو الحوار بينهما أحيانًا صعبًا، وأحيانًا أخرى مليئًا بالانسجام؟ الحقيقة أن وراء هذا الاختلاف قصة طويلة تبدأ منذ اللحظة الأولى لتكوين الإنسان، وتمتد لتشكّل ملامح الحياة كلها.

عقل الرجل، كما أراه، يشبه الطريق المستقيم. حين يقرر السير، يضع عينيه على الهدف، ويغلق كل الأبواب الجانبية حتى لا يتشتت.

هو عقل يميل إلى التركيز والتحليل، يرى أن الحلول تكمن في الحسم والوضوح.

لذلك إذا واجه مشكلة، سرعان ما يبحث عن أقصر طريق للخروج منها. النجاح عنده يعني الوصول، حتى لو كان الطريق خشنًا أو قاسيًا.

وعلى الضفة الأخرى، يقف عقل المرأة، يشبه النهر المتشعب في مساراته.

يجري بانسياب، يروي الأرض من حوله، ويلمس أدق التفاصيل.

عقلها لا ينشغل فقط بالنتيجة، بل بالقصة الكاملة: بمن تأثر؟ وكيف تركت الحادثة أثرها؟ وما الذي يمكن أن يُصلح الغد؟ بالنسبة لها، لا يكفي أن تُحل المشكلة، بل يجب أن يُفهم معناها ويُخفّف أثرها على القلوب.


الرجل ينظر إلى المواقف بعين المنطق المباشر، والمرأة تنظر إليها بعين مزدوجة: منطق يحاور العاطفة، وقلب يفسر الأحداث بإنسانية أوسع. ولهذا قد يبدو حوارهما مختلفًا:

هو يطلب "الخلاصة"، لأنها تختصر وقته وجهده.

وهي تروي التفاصيل، لأنها تمنح القصة روحها ومعناها.

قد يظن البعض أن هذا الاختلاف يعني صراعًا أو تفاضلًا، لكنني أراه تكاملًا بديعًا. فلو كانت الحياة تسير بعقل الرجل وحده، لغلبها الحزم والصرامة، وفقدت شيئًا من دفئها.

ولو سارت بعقل المرأة وحده، لغلبها الانشغال بالتفاصيل وربما ترددت أمام الحسم.

لكن حين يلتقي العقلان، تتوازن المعادلة: صلابة مع مرونة، حزم مع عاطفة، وهدف واضح يرافقه طريق مليء بالمعنى.

أحيانًا أتأمل الأمر في تفاصيل الحياة اليومية: رجل يعود من عمله متعبًا، فيفكر أولًا في الراحة والطعام والنوم ليستعيد قوته.

بينما زوجته تستقبله بقائمة من التفاصيل: كيف كان يوم الأولاد؟وما الخطط للغد؟ هو يفكر في استعادة الطاقة، وهي تفكر في نسج المشهد الكامل.

هذا ليس اختلافًا في القيمة، بل في زاوية النظر.

ولعل أجمل ما في الاختلاف أنه يصنع لوحة إنسانية لا تكتمل إلا بهما معًا.

الرجل يرسم الخطوط الأساسية للوحة بخطوط واضحة مستقيمة، ثم تأتي المرأة لتلوّنها بألوان دافئة تجعلها نابضة بالحياة.

هو يكتب الخطة، وهي تضيف القصة.

هو يحسب الطريق، وهي تعطي الرحلة طعمًا.

الحياة لا تحتاج إلى تشابه بين العقول بقدر ما تحتاج إلى تكاملها.

والاختلاف بين عقل الرجل والمرأة ليس حاجزًا بينهما، بل جسرًا إذا أُحسن فهمه.

إنهما جناحان لطائر واحد، لا يستطيع الطيران بأحدهما وحده.

لهذا أقول: الاختلاف بين عقلين ليس لعنةً نتحاشاها، بل نعمةً علينا أن نفهمها ونحسن استخدامها. فبه يكتمل التوازن، وبه تستمر الحياة أكثر وضوحًا وامتلاءً بالمعنى.



الكـاتبة: سناء العطوي