آخر تحديث :السبت-04 أكتوبر 2025-10:55ص

الوداع الاخير.!

الجمعة - 26 سبتمبر 2025 - الساعة 09:13 ص
منصور بلعيدي

بقلم: منصور بلعيدي
- ارشيف الكاتب


(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَ‌اتِ ۗ وَبَشِّرِ‌ الصَّابِرِ‌ينَ @الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ@ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرَ‌حْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة155-157


ماتتْ أمُّ أولادي: ...

ومات معها اشياء كثيرة في نفسي..

مات الحب الطاهر

وانطفئ النور الباهر ..

ماتَ الطهرُ، والنقاءُ، والصفاءُ،

ماتتْ الحكمةُ، والعقلُ الرزينُ،

ماتتْ الألفةُ، والمحبةُ، والسكنُ، والسكينةُ،


وأرخى الليلُ سدوله فاسدل ستاره على جنبات فكري فاثار مواجعي

والليل مجمع الهموم.

وانطفى النورُ من حولي،

وتبلدتْ الأفكارُ في رأسي،

وغابَ عني معنى الحياةِ المستقرةِ،

صارتْ أيامي صورًا بلا طعمٍ، بلا رائحةٍ، بلا روح.

فلم أعدْ أدري... أهي الميتةُ أم أنا؟!


*فقدان الوطن.*

كانتْ هي وطني الرحيب.

وملاذي الآمن

ومرتعي الخصيب ،

وحياة قلبي العامرة بكل طيب.

كانتْ الروحَ التي تسري في شرايين الجسد فتمنحهُ الحياةَ ،

كانتْ القلبَ النابضَ،

والريحانةَ الطيبة،

والبهجةَ البهية،

والدفءَ والحنان.


*كانتْ كلَّ شيءٍ... كلَّ شيءٍ.*

زوجةٌ صالحةٌ،

حبيبةٌ حانيةٌ،

أمٌّ رؤومٌ،

مربيةٌ فاضلةٌ،

أختٌ عطوفٌ،

وصديقةُ الروحِ في أدقِّ تفاصيلِ العمرِ.

وكان لها الفضلُ بعد اللهِ في نجاحاتي ، في ثقافتي، وفي علمي، وفي مكانتي الاجتماعية، وفي كل التفاصيل الدقيقة في حياتي.


وبموتها...

عادَ كلُّ شيءٍ إلى نقطةِ الصفرِ،

وصرتُ في مهبِّ الريحِ، لا أقوى على شيءٍ.

حين ماتت أدركتُ أن الحياةَ وهمٌ زائلٌ،

وأن الدنيا غرورٌ أجوفٌ،

وأن زخارفها لا تساوي شيئًا أمام مصيبةِ الموتِ.


ماتتْ..

فانكشفَ عني الغطاءُ،

ووجدتُ نفسي فجأة في العراءِ،

ليس لي بعدها إلا اللهُ.


نعم، أهلي وأولادي بجانبي، ولن يقصروا معي

لكنّني اتحدث عن الفراقَ العاطفيَّ الذي لا يملؤهُ أحدٌ،

ولا يُعوّضُهُ بشرٌ،

فقد كانت الروحُ، والريحان والحب والوجدانُ .


*انهم يتركوننا نهباً للحسرة والمواجع.*

ذهبَ ولداي أحمدُ ومحمدُ إلى ربهم،

فذهبَ معهما نصفُ روحي،

ثم لحقتْ بهما أمُّهما،

فذهبَ ما تبقّى من الروحِ.


لم يعدْ للحياةِ معنى ولاطعم

إنما هي إيام وليال تحصي ما تبقّى من سنينِ العمر .


*إييييييييهٍ...*

ما أقسى الحياة بلا رفيق درب وحبيب قلب..

حين يموت من نحبُّ، تموت معه اشياء كثيرة في نفوسنا

يموت الفرح .. تموت السعادة.. يموت الاطمئنان .. تموت راحة البال ..يموتُ معه كلُّ شيءٍ جميل فينا

ويبقى الموت فاقراً فاه يلتهم الأحبة بلا رحمة اذا حان الأجل.

حينها ينحدر الدمع دفاقاً من مئاقينا كشلالات هادرة في وديان اعماقنا.

تحفر الدموع اخاديد في وجناتنا

وتشق انحدارات في سهول تفكيرنا

لكنها قطعاً لاتطفئ لهيب القهر والألم الذي تختزنه مخازن قلوبنا ولاتطفئ نيران مشاعرنا المحترقة.

لكن الذكرى تبقى محفورةً

في سويداءِ القلبِ،

وفي مهجةِ الفؤادِ،

وفي حنايا الضلوعِ،

ذكرى لا تموتُ أبدًا.


*قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ فضائلُهم*

*وعاشَ قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ*


اكتب بمداد القلب ، لا بحبر القلم .. اصور وقع المأساة على نفسي وأبث حزني المؤلم العميق، من قلب ينبض بالحسرة والألم مشفوعاً بالوفاء، ولانقول الا مايرضي ربنا.


وختاماً: لا أقول الا كما قال نبي الله يعقوب(إنما أشكو بثي وحزني إلى الله).


رحمها الله رحمة واسعة، وأسكنها وولديها الفردوس الأعلى في الجنة ، انه ولي ذلك والقادر عليه.