في عدن، المدينة التي تعيش على إيقاع التحولات السياسية المتسارعة، أثار خبر اعتقال الصحفي المعروف فتحي بن لزرق ردود فعل واسعة في الأوساط الإعلامية والشعبية. فالرجل الذي اشتهر بجرأته في الطرح ومواقفه الناقدة وجد نفسه فجأة خلف القضبان، قبل أن يُطلق سراحه لاحقاً بعد تدخلات أفضت إلى معالجة الإشكالية التي وُصفت بأنها ناجمة عن التباس في موضوع كان قد تطرق إليه سابقاً .
الواقعة سلّطت الضوء مجدداً على موقع حرية الصحافة في اليمن، وعلى ما يواجهه الصحفيون من تحديات في بيئة مضطربة سياسياً وأمنياً فبينما رأت بعض الأصوات أن ما حدث مجرد سوء إدارة أو سوء تقدير أمني اعتبر آخرون أن اعتقال صحفي بحجم بن لزرق يمثل رسالة سلبية تمسّ صورة السلطات وتتناقض مع القيم التي يفترض ترسيخها في المرحلة الحالية وعلى رأسها صون حق التعبير .
من الناحية الإعلامية جسّدت القضية اختباراً سريعاً لمدى حساسية الرأي العام تجاه أي مساس بالصحفيين إذ اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي خلال ساعات بموجات تضامن واسعة أكدت أن المجتمع بات أكثر وعياً بدور الكلمة الحرة وأكثر استعداداً للدفاع عنها باعتبارها صمام أمان ضد الانزلاق نحو الفوضى أو الاستبداد .
سياسياً، يمكن القول إن إطلاق سراح بن لزرق بسرعة عكس إدراكاً من قبل الجهات المعنية بأن كلفة استمرار احتجازه ستكون أكبر من مكاسبها فالمشهد في عدن لا يحتمل توتراً إضافياً خصوصاً في ظل تعدد مراكز القوى وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية المطالبة ببيئة أكثر احتراماً للحريات .
قضية فتحي بن لزرق إذن ليست حادثة عابرة بل جرس إنذار يذكّر الجميع بأن حرية الصحافة ركيزة لأي مشروع سياسي قابل للحياة والإفراج عن الصحفي بعد ساعات من اعتقاله ينبغي أن يكون فرصة لمراجعة السياسات الأمنية والإدارية بحيث تُعالج الإشكالات عبر الحوار والتوضيح لا عبر الأصفاد وأبواب الزنازين ..
بقلم / محمد علي رشيد النعماني