آخر تحديث :الثلاثاء-07 أكتوبر 2025-10:08م

تعز بين الجريمة والفرصة .. تقاسم النفوذ وتنصل من المسؤولية

الخميس - 02 أكتوبر 2025 - الساعة 09:25 م
عبدالواسع الفاتكي

بقلم: عبدالواسع الفاتكي
- ارشيف الكاتب



أخذت جريمة اغتيال الشهيدة افتهان المشهري مساحة واسعة من الجدل والنقاش في أوساط رسمية وشعبية ، وفي صفوف القوى السياسية والاجتماعية في مدينة تعز ، هذا الحدث كشف عن طبقات من الخلل المؤسساتي والأمني والخدمي والسياسي ، التي ظلت مخفية أو مكبوتة ، لتطفو إلى السطح وتفرض قراءة واقعٍ مأساوي يحتاج إلى قراءة نقدية وعمل جاد .


اغتيال افتهان المشهري لم يقتصر أثره على الصدمة الأخلاقية فقط ، بل كشف عن ثلاث هشاشات متداخلة : هشاشة أمنية قضائية ، ضعف إدارة محلية متعددة الأطراف ، وانفصال واضح بين احتياجات المواطنين وسياسات السلطة ، تتعرض السلطة المحلية في تعز لتقاسم وصراعات بين أحزاب وقوى سياسية عديدة ، هذا التقاسم في مناصب ونفوذ لم يصحبه تقاسم للمسؤولية أو بناء مشروع وطني موحد ، ينتصر لحقوق المدينة وخدماتها ، النتيجة لذلك موارد مشتتة ، قرارات متضاربة ، وضعف القدرة على التخطيط والتطبيق بما يخدم المواطن بدلا من أن يخدم المصالح الضيقة .


حققت الأجهزة الأمنية في فترات سابقة بعض النجاحات ، لكن استمرار الجرائم يوحي بوجود خلل كبير في آليات المتابعة ، وتنفيذ القوانين ، هناك دلائل على أن بعض الجناة يفلتون من العقاب ، وان معايير التعيين في المواقع الحساسة لم تراعِ الكفاءة والحياد ، بل جاءت أحيانا محاصصاتية او فئوية ؛ ما أضعف ثقة الناس في السلطة المحلية ومؤسساتها الأمنية والقضائية .


في ظل هذا الوضع يزدهر الفاسدون والمستفيدون من الانقسام السياسي ، ويستغل لاستنزاف الموارد ، وتمرير مصالح شخصية ، وتكريس وضعية لا تخدم المواطن ، ما يجعل أي إصلاح تهديدا لمصالح راسخة ، ويعطي دفعا لاستمرار اللاستقرار .


يرى كثيرون في الشارع التعزي أن خطوات مثل قتل المتهمين في أي من جرائم القتل لا يغلق ملف الجريمة أمام المجتمع ، لأن الأمر يتطلب إجراءات أعمق ، إلقاء القبض على من مازلوا فارين من وجه العدالة ، واستعادة ثقة الجمهور عبر محاكمات شفافة ومتابعة قضائية تضمن عدم تكرار الإفلات من العقاب ، فالإجراءات الأمنية المحدودة قد تطمئن الشارع مؤقتا لكنها لا تعالج جذور المشكلة .


بات من الضروري إجراء تقييم شامل ومراجعة مستقلة لأداء الأجهزة الأمنية والعسكرية والقيادات المحلية ، وتنفيذ برامج تدريب أخلاقي ومهني ؛ لتعزيز ثقافة احترام الحقوق وحماية المدنينن ، وذلك للعاملين في الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضاء خاصة الذين اقتصت الضرورة انضمامهم لتلك الأجهزة منذ ما بعد انقلاب المليشيات الحوثية .


يفترض في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها تعز ان تندفع القوى السياسية فيها نحو اتفاق محلي يعيد صياغة أولوية المدينة كمشروع وطني ، يتجاوز المناكفات ويصون حقوق السكان ، تعز اليوم أمام مفترق طريق : إما أن تبقى مسرحا لصراعات مقلقة تضاعف معاناة مواطنيها ، أو أن تتحول نحو إصلاح حقيقي وشامل ، يتطلب إرادة سياسية حقيقية ، وشجاعة في محاسبة المقصرين ، والتزاما ملموسا بوضع المواطن وخدماته على رأس الأولويات ، دون هذا الالتزام، ستستمر المدينة في دفع ثمن انفصال المسؤولية عن السلطة ، وستبقى دماء أبنائها ودائعا في ميزان الخسارة الجماعية .


عبدالواسع الفاتكي