د. فائزة عبدالرقيب
بعد اقل من اسبوعين على طرح دونالد ترامب خطته لانهاء الحرب في غزة، اعلنت حركة حماس موافقتها عليها، في خطوة تعد تحولا استراتيجيا محفوفا بالمخاطر اكثر من كونها مكسبا سياسيا.
هذا القبول لم يكن نابعا من قناعة بجدوى الخطة، بل نتيجة معادلة قاسية فُرضت على الحركة: اما استمرار الحرب والحصار، او الدخول في مسار سياسي تُملِيه واشنطن وتتحكم بتفاصيله تل ابيب. لقد وجدت حماس نفسها امام واقع جديد، تُجرّ فيه الى طاولة تسوية اقرب الى هدنة منها الى سلام حقيقي.
الخطة التي صاغها ترامب بالتنسيق مع نتنياهو ليست مبادرة لإنهاء الاحتلال، بل مشروع لإعادة انتاجه بغطاء امريكي. جوهرها يقوم على تثبيت الواقع الميداني، وتحويل غزة الى كيان منزوع السلاح تحت اشراف دولي، مقابل وعود اقتصادية تُسوَّق على أنها “بوابة السلام”.
بقبول الخطة، تغيّر مشهد الصراع الفلسطيني جذريا. فالحركة التي بنت شرعيتها على المقاومة تواجه اليوم اختبارا صعبا لخطابها ومشروعها. فقبول حماس التي وُلدت من رحم المقاومة بخطة تُكرّس الاحتلال وتُرحّل الحلول الجوهرية يعد تنازلا سياسيا مؤلما قد يخصم من رصيدها الشعبي داخل غزة وخارجها، ويفتح الباب امام تصفية تدريجية للقضية الفلسطينية تحت مظلة “حل الدولتين المؤجل”.
اقليميا، ربما تفتح موافقة حماس الباب امام مرحلة من الهدوء الهش، لكنها في الوقت نفسه عمّقت الانقسام بين مشروعين فلسطينيين: مقاومة متراجعة وتسوية مشروطة. اما دوليا، فقد رأت واشنطن وتل ابيب في هذه الخطوة انتصارا لـ“الواقعية السياسية”. بينما مستقبل غزة، يبدو مرهونا بتوازنات ميدانية واغراءات اقتصادية، لا بسلام حقيقي. فالمشهد يوحي بهدنة قابلة للاهتزاز وواقع يُكرّس انفصال القطاع عن الضفة، في تناقض واضح مع روح الدولة الفلسطينية المنشودة.
في الواقع، لا يمكن قراءة موافقة حماس الا في سياق ادارة الصراع لا انهائه. فالخطة منحت اسرائيل غطاء جديدا لتوسّعها، وفرضت على حماس واقعية سياسية قسرية. ربما ربحت الحركة هدوءا مؤقتا تستطيع فيها اعادة الابناء لذاتها، لكنها خسرت جزءا من مشروعها التاريخي. اما اسرائيل، فقد ربحت اعترافا ضمنيا بواقعها التوسعي، لكنها تظل خاسرة للسلام الذي يتناقض مع نهجها العنصري. وبين الربح والخسارة، يبقى السلام في غزة مؤجلا، وآفاق المستقبل مفتوحة على المجهول.