آخر تحديث :الخميس-16 أكتوبر 2025-11:49ص

قراءة في تصريحات الزبيدي الأخيرة.

الخميس - 09 أكتوبر 2025 - الساعة 08:51 ص
طه بافضل

بقلم: طه بافضل
- ارشيف الكاتب



طه بافضل

عندما يتقاطع التصعيد السياسي مع إعادة رسم الخرائط، خرج عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بتصريح يقول فيه إن سكانًا من تعز ومأرب يطالبون بالانضمام إلى الجنوب العربي، ضمن خيار حل الدولتين في اليمن. التصريح، وإن بدا عابرًا في سياق مقابلة، يحمل من الدلالات ما يستحق أن يُفكك لا أن يُمرر.


الزبيدي لا يتحدث عن ضمٍ قسري، بل عن "رغبة شعبية"، وكأن الجنوب العربي صار حلمًا يُراود سكان الشمال، لا كابوسًا يُطاردهم في عدن. هنا، لا يعود الحديث عن حدود ما قبل 1990، بل عن إعادة تشكيل الجنوب على مقاس الطموح السياسي، لا على مقاس الجغرافيا.


تعز، المدينة التي طُرد أبناؤها من عدن في حملات ترحيل لا تُنسى، تُصبح فجأة "مرشحة للانضمام". مأرب، التي قاومت الحوثي واحتضنت الشرعية، تُعرض عليها بطاقة عضوية في كيان لم تُشارك في بنائه. فهل نحن أمام مراجعة سياسية؟ أم أمام محاولة لتجميل صورة الجنوب العربي أمام الخارج؟


الزبيدي يتحدث من واشنطن، لا من عدن. واللغة التي يستخدمها ليست لغة الداخل، بل لغة الخارج: "الفيدرالية"، "الرغبة الشعبية"، "الحل السياسي". وكأن التصريح موجّه للدوائر الدولية أكثر مما هو موجه لليمنيين.


مصطلح "الجنوب العربي" نفسه ليس جديدًا، بل مستعاد من أرشيف الاستعمار البريطاني. واليوم يُعاد إنتاجه، لا بوصفه إرثًا، بل كمشروع سياسي يُراد له أن يكون جذابًا، متسامحًا، قابلًا للتوسع. لكن السؤال يبقى: هل يمكن لهذا المشروع أن يضم تعز ومأرب دون أن يُعيد إنتاج منطق الإقصاء؟ هل يمكنه أن يكون شاملًا دون أن يكون انتقائيًا؟


التصريحات لا تُقرأ حرفيًا، بل تُفكك كخطاب. والزبيدي، في لحظة إقليمية تتشكل فيها خرائط جديدة، يُعيد رسم الجنوب لا كجغرافيا، بل كهوية سياسية مرنة، قابلة للتوسع، وربما قابلة للتفاوض.


لكن الجنوب العربي، إن أراد أن يكون مشروعًا حقيقيًا، عليه أن يُراجع تاريخه مع تعز ومأرب، لا أن يُعيد إنتاجه بلغة جديدة. فالرغبة لا تُصنع بالتصريحات، بل بالعدالة، والعدالة لا تُبنى على الانتقائية.


لا يمكن فصل تصريح الزبيدي عن السياق الإقليمي الذي يُعاد فيه تشكيل التحالفات والخرائط. فالرجل لا يتحدث من الضالع أو المكلا، بل من واشنطن، حيث تُصاغ السياسات بلغة المصالح لا الجغرافيا. وفي ظل تقارب سعودي-حوثي، وتراجع نفوذ الشرعية، يبدو أن المجلس الانتقالي يسعى لتثبيت نفسه كلاعب إقليمي، لا مجرد فصيل محلي.


الإمارات، الحاضن السياسي والعسكري للمجلس، تنظر إلى الجنوب العربي كمنطقة نفوذ استراتيجي، تمتد من عدن إلى سقطرى، وربما إلى باب المندب. والسعودية، التي كانت ترفض فكرة الانفصال، بدأت تتعامل مع الواقع الجديد ببراغماتية، خاصة بعد أن أصبح الحوثي شريكًا محتملاً في ترتيبات ما بعد الحرب.


أما واشنطن، فهي لا ترى في اليمن سوى خطوط ملاحة ومكافحة إرهاب. وإذا كان الجنوب العربي قادرًا على تقديم نفسه ككيان مستقر، قابل للتعاون، فإن تعز ومأرب قد تُصبحان أوراقًا تفاوضية، لا مناطق جغرافية.


في هذا السياق، تصريح الزبيدي ليس مجرد كلام، بل رسالة مشفّرة: الجنوب العربي مستعد للعب دور أكبر، حتى لو تطلّب الأمر إعادة تعريف من هو "الجنوبي"، ومن هو "الراغب".