آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-09:26ص

اعتراف دكتور نادم.. حين صار العلم لعنة!

الخميس - 09 أكتوبر 2025 - الساعة 08:31 م
فؤاد مرشد

بقلم: فؤاد مرشد
- ارشيف الكاتب


(تأتي أوقات يتمنى فيها الانسان لو لم يكن كما هو الآن!

وأنا اليوم، بعد ثلاثين عاما من التدريس والبحث والعطاء، أقولها بمرارة،

ليتني ما اكملت دراستي العليا، ليتني ما التحقت بالوظيفة الحكومية!)

هذا صديقي دكتور جامعي يقولها بصوت مؤجع،( العن اليوم الذي فكرت فيه بالتأهيل العلمي!

ألعن اليوم الذي اعتقدت فيه ان الجامعة وطن، والعلم نجاة من العوز والمهانة!)

هل تعلمون ما اقسى ما يمكن ان يشعر به الإنسان؟

أن يقف في الشارع خجولا من دائن يحترمه أكثر مما تحترمه دولته!

ان يرى في عيون الناس سؤالا صامتا لا يجد له جوابا (متى ستدفع؟)

كنت اظن أن الدكتوراه تعني الرفعة فإذا بها صك عبودية جديدة!

وكنت اظن أن الكرسي في الجامعة مقام للعقل، فاذا به منفى للكرامة!

ثلاثون عاما وصديقي يشرح للطلاب معنى العدالة الاجتماعية، فيخرج ليصطدم بظلم لا منهج يفسره!

يتحدث عن الجدارة والاستحقاق، ثم يرى المناصب تمنح لمن لا يعرف الفرق بين الفاعل والمفعول به!

هل تعلمون؟

لم يعد الأستاذ الجامعي يحلم بالترقية أو البحث العلمي، بل يحلم براتب يصل قبل ان يصل الدائن الى بابه!

صار الدكتور الذي علم أجيالا كيف تبنى الاوطان، يقتصد في دواءه وطعامه، ويحسب الأيام بين صرف وصبر، وبين وعد لا ينفذ وكرامة تستنزف!

يا من في القصور العالية،

يامن تنهبون خيرات البلاد، يا من نزع الحياء منكم والخوف من العاقبة، هل تدرون كم أستاذا اليوم يلعن لحظة ولد فيها طموحه؟

كم باحثا يندم أنه لم يفتح دكانا صغيرا بدلا من ان يفتح كتابا كبيرا؟

ووظيفة اذاقته الوجع!

شيء ما انكسر في هذه البلاد،

انكسرت هيبة العلم يوم جاع أصحابه،

وانكسرت هيبة الدولة يوم صمتت عنهم، وحرمتهم من ابسط حقوقهم!

ومع ذلك ما زال الأستاذ يشرح ويبتسم.

يشرح لطلابه وكأنه لا ينهار في داخله كل يوم.

يضحك كي لا يبكي، ويتظاهر بالقوة كي لا يسقط أمام عيونهم!

لقد تعب الدكتور، والمعلم والموظف

تعبوا من الظلم، من الصبر، ومن الصمت.

ولو عاد بي الزمن ( هكذا يقول) لما ذهبت إلى الجامعة، بل ذهبت إلى الحياة!

قبل أن تصبح شهادة الحياة نفسها مؤجلة... إلى إشعار آخر!

فؤاد مرشد