آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-10:24ص

"حسابات القائد... القرار الذي ينتظر لحظته"

السبت - 11 أكتوبر 2025 - الساعة 10:02 ص
محمد علي رشيد النعماني

بقلم: محمد علي رشيد النعماني
- ارشيف الكاتب



يعيش الجنوب لحظة دقيقة تتقاطع فيها الحسابات الوطنية مع التوازنات الإقليمية ، في مثل هذه اللحظات يصبح القرار السياسي أكثر تعقيداً من مجرد إعلانٍ أو تأجيل وتتحول كل خطوة إلى رسالة تُقرأ بأكثر من لغة ، هذا بالضبط ما يفسّر الغموض الذي يكتنف بعض قرارات الرئيس عيدروس الزُبيدي وفي مقدمتها عقد اجتماع الجمعية الوطنية في محافظة شبوة وتشكيل مجلس الشيوخ الجنوبي وهما قراران أُقرّا تنظيمياً لكن تأجّل تنفيذهما سياسياً ما فتح الباب أمام قراءات متباينة بين من يرى في التأجيل حنكة القيادة ومن يعتبره مؤشراً إلى تردّد غير مبرر .

الواقع أن القرار في الحالة الجنوبية لا يُقاس فقط بمعناه المحلي بل بمدى قدرته على الصمود أمام شبكةٍ معقدة من الضغوط الإقليمية والدولية فالمجلس الانتقالي الجنوبي لا يتحرك في فراغ بل في فضاءٍ سياسي تتقاطع فيه مصالح التحالف العربي ورهانات القوى اليمنية ومواقف العواصم الغربية التي تراقب بحذر أي خطوة قد تُفهم كاتجاه نحو "الانفصال الفعلي" من هنا يصبح التأجيل أحياناً نوعاً من “الإدارة الهادئة للمرحلة” لا تراجعاً عن الهدف بل إعادة تموضعٍ في لحظةٍ شديدة الحساسية .

لكن في المقابل لا يمكن تجاهل أن طول أمد هذا التأجيل يخلق فراغاً في الوعي العام ويغذّي سرديات الخصوم الذين يصوّرون الجنوب ككيانٍ ينتظر الإذن ليُنفّذ قراراته وهو انطباع يحتاج المجلس إلى تصحيحه بخطوات عملية تعيد الثقة إلى الداخل قبل الخارج فالجنوب الذي استطاع فرض نفسه كرقم صعب في معادلة الحرب والسياسة لا يجوز أن يُختزل في صورة اللاعب الصبور الذي ينتظر “الظروف المناسبة” .

ربما ما يميز الرئيس الزُبيدي عن غيره من القادة في الساحة اليمنية هو أنه يدير المشهد بعقل الدولة لا بانفعال الشارع لكنه في الوقت ذاته مطالب بأن يحافظ على شعلة الحراك الشعبي حية وأن يوازن بين إيقاع الواقعية السياسية وبين نبض الجماهير التي ترى في التأجيل إشارة إلى تباطؤ أو ضبابية فالقائد الذي يقرأ المعركة بعين الاستراتيجي يدرك أن كل تأجيلٍ له كلفة وأن “القرار الذي ينتظر لحظته” لا يجب أن يطول انتظاره حتى لا يفقد أثره الرمزي والسياسي.

الجنوب اليوم لا يحتاج إلى قرارات صاخبة بل إلى قرارات صامتة تُنفَّذ بخطى محسوبة تُبقي المشروع حاضراً وتمنع خصومه من ملء الفراغ السياسي فالقوة لا تكون في الإعلان وحده بل في التوقيت والقدرة على جعل اللحظة تخدم الهدف لا العكس وهذه هي المعادلة التي يحاول الزُبيدي الحفاظ عليها ، أن يُبقي الجنوب متماسكاً، وأن يُجنّب مشروع الدولة أي تصادمٍ مبكر قد يستنزف أوراق القوة في غير وقتها .

ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً : هل يُدار الجنوب اليوم بحذرٍ استراتيجي مشروع أم بحسابات مفرطة في التحوّط قد تُبطئ مسار التمكين؟ الجواب لا يملكه سوى القائد الذي يملك قرار التوقيت، لأن اللحظة السياسية كما يقول أهل الاستراتيجية لا تطرق الباب مرتين .

إن "حسابات القائد" ليست لغزاً بقدر ما هي فلسفة حكم في زمنٍ مضغوطٍ بالتوازنات وفي النهاية لن يُقاس الزُبيدي بما أجّله بل بما سيعلنه عندما يحين الوقت فالقرار الذي ينتظر لحظته إن خرج في توقيته الصحيح قد لا يكون مجرد خطوة سياسية بل إعلان بداية مرحلة جديدة من التمكين الجنوبي وإعادة تعريف موازين القوة في المنطقة ..


بقلم / محمد علي رشيد النعماني ..