في الذكرى الثانية والستين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، نقف إجلالاً لأولئك الذين صنعوا الفجر بدمائهم، وكتبوا التاريخ ببطولاتهم، دون أن يطلبوا مقابلاً سوى وطنٍ حرٍّ كريم. نترحم على الشهداء الأبرار، وندعو بالصحة والعافية لمن بقي من رفاق الدرب، أولئك الذين ما زالوا يحملون في ملامحهم ملامح الثورة، وفي صمتهم صدى البنادق.
وفي هذه المناسبة، أكتب عن رجلٍ لم يكن يحب أن يُكتب عنه، عن جدي، المقاوم الثائر *أحمد محمد أبو صالح* ، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. رجلٌ عاش الثورة، لا شعاراً، بل سلوكاً. قاتل في *ثورة 26 سبتمبر* ، وشارك في *ثورة 14 أكتوبر* ، لكنه لم يرفع صوته يوماً ليقول: "أنا ثائر". كان يرى أن البطولة الحقيقية لا تحتاج إلى إعلان، وأن الشرف لا يُطلب، بل يُعاش.
*من حصار صنعاء إلى جبال ردفان*
جسده كان خريطةً للمعارك، يحمل إصاباتٍ من أيام الحصار والدفاع عن صنعاء، إلى جبال ردفان الشامخة. لكنه لم يكن يتحدث عن جراحه، بل عن المظلومين الذين نذر نفسه لنصرتهم. لم يكن يفاخر بسلاحه، بل كان يفاخر بموقفه. لم يكن يروي بطولاته، بل كان يروي صمته.
كان يقول لي، بصوته الهادئ وكلماته القليلة:
"لم أجد مثل ثوار ردفان.. فيهم الصدق والإخلاص، والشهامة والقبيلة. صحيح كل المناطق فيها رجال، لكن ردفان.. ردفان هي مصنع الرجال والثورة ."
*رجل من زمنٍ آخر*
جدي لم يكن من أولئك الذين يطلبون التكريم، بل من أولئك الذين يصنعون المجد ثم ينسحبون إلى الظل. مات في بيته، عزيزاً، شريفاً، كما عاش. لم يطلب شيئاً من الوطن، بل أعطاه كل شيء. لم يكن بحاجة إلى أوسمة، فقد كانت كرامته وسامه، وصمته شهادة نضاله.
*في ذكراه .. نكتب لا لنمجّده، بل لنقتدي به*
نكتب عنه اليوم لا لنُضفي عليه هالة البطولة، بل لنُذكّر أنفسنا أن البطولة الحقيقية لا تصرخ، بل تُنجز. أن الثائر الحقيقي لا يرفع صوته، بل يرفع وطنه. أن من قاتلوا بالأمس، يستحقون أن نُكمل ما بدأوه، لا أن نُتاجر بتضحياتهم.
رحمك الله يا جدي، يا من كنت ثائراً دون أن تقول، ومقاتلاً دون أن ترفع رأسك، وبطلاً دون أن تطلب التصفيق. في زمنٍ كثر فيه الادعاء، كنت أنت الحقيقة.