آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-10:59ص

ثورة 14 أكتوبر… مجدٌ ضاع وأملٌ باقٍ

الأحد - 12 أكتوبر 2025 - الساعة 11:42 م
عبدالناصر صالح ثابت

بقلم: عبدالناصر صالح ثابت
- ارشيف الكاتب


في التاريخ محطات لا تُنسى، وأحداث تظل تشكّل وعي الشعوب مهما طال الزمن. ومن بين تلك المحطات، تبقى ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 واحدة من أنبل الثورات العربية، لأنها لم تكن مجرد انتفاضة ضد استعمار غاشم، بل كانت ولادة وعي جديد في الجنوب العربي، حلم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

في فجر ذلك اليوم، دوّى صوت الحرية من جبال ردفان، وأشعل الأحرار شرارة النضال ضد أكثر من قرن من الهيمنة البريطانية. كانت الثورة مشروعًا وطنيًا جامعًا، جمع الفلاح والعامل والمثقف على راية واحدة، تؤمن أن الوطن لا يُبنى إلا على سواعد أبنائه.

وحين تحقق النصر في الثلاثين من نوفمبر 1967، وارتفع علم الجنوب عاليًا في سماء عدن، لم تكن الأفراح مجرد احتفالات، بل دموع فرح امتزجت بالأمل، وقلوب مفعمة بفجر جديد. كانت الشوارع تتحرك تحت وقع الحناجر التي غنت للحرية، والعين ترقب المستقبل بلهفة لا توصف.

وبدأت مرحلة كان يُفترض أن تكون بداية نهضة وطنية تليق بتضحيات الشهداء، غير أن تلك اللحظة المضيئة سرعان ما غشّاها غبار الأيديولوجيا، فتحوّل الحلم إلى ساحة صراع بين الشعارات، وضاع صوت الوطن وسط ترديدات القومية والرجعية والاشتراكية العلمية.

أُقصي المختلف، وغابت روح التعدد، وتحوّل التنوع إلى تهمة. ذابت ملامح الدولة في خضم التجارب الفكرية، وغرقت البلاد في موجة التأميم والصراعات الداخلية. كانت الدماء التي سالت في ردفان تروي شجرة الحرية، لكنها عادت لتُراق في شوارع عدن نفسها في أحداث ماساوية، وتحت مبررات واهية وخلافات سلطوية ومناطقية بائدة.

ثم جاءت وحدة عام 1990، كنتيجة طبيعية توجت بها جميع مراحل الإخفاق والفشل، وكانت الضربة القاضية التي قصمت ظهر الجنوب. ودخل الجنوبيون في نفق مظلم دام 35 عامًا، يناضلون من جديد للعودة إلى أكتوبر الجديد، الخالي من شوائب الشطح القومي والأممي.

واليوم، بعد أكثر من ستة عقود على انطلاق ثورة 14 أكتوبر، يقف الجنوبيون أمام مرآة التاريخ، يرون وجوه أجدادهم الذين حاربوا من أجل الحرية، ويقارنونها بواقع الجنوب المنهك، حيث تبدلت المبادئ بالشعارات، والوطن بالأجندات، حتى صار الجنوب الذي كان منارة للمنطقة يبحث عن ذاته وسط الركام.

ومع ذلك، فإن جذوة أكتوبر لم تنطفئ بعد. لا تزال تسكن ذاكرة الأجيال، تذكّرهم أن الوطن لا يُبنى بالشعارات ولا بالولاءات، بل بالعدل والوعي والإرادة الحرة.

فالجنوب الذي أنجب الثوار الأوائل قادر على النهوض من جديد، متحررًا من كل وصاية، ومتسلحًا بعقل جديد يدرك أن التحرر الحقيقي يبدأ من تحرر الفكر والقرار. وهو في أمس الحاجة اليوم إلى التسامح والحوار والانفتاح على الجميع.

الدرس الذي يجب استخلاصه اليوم هو مراجعة محطات الإخفاق لفهم الأخطاء، واستعادة روح أكتوبر بشكل عقلاني، بعيدًا عن أي ممارسات أيديولوجية أو سلطوية. رحم الله رجال الجنوب العربي، فقد قدموا نموذجًا للتضحية من أجل وطن كان يستحق الأفضل، لولا تدخل السياسة وأياديها الباردة التي أضعفت مسار الثورة.