في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر، قدّم الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي واحدة من أكثر الرسائل السياسية وضوحًا منذ توليه رئاسة مجلس القيادة الرئاسي. خطاب اتسم بالجرأة في تشخيص جذور الأزمة اليمنية، وبالواقعية في رسم طريق السلام الممكن.
لقد قالها العليمي بصراحة: «لا سلام في اليمن دون تفكيك قواعد الإمامية» — وهي عبارة تختصر قرنًا من الصراع بين مشروع الدولة والمشاريع السلالية التي سعت، باسم الدين والحق الإلهي، إلى احتكار الحكم وإخضاع اليمنيين لسلطة النسب لا سلطة الشعب والدستور. هذا التصريح لا يعكس فقط موقفًا سياسيًا، بل يؤكد وعيًا تاريخيًا بخطورة الفكر الإمامي على كيان الدولة الوطنية، وعلى مفهوم المواطنة الذي ناضل اليمنيون من أجله في ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
كما أعاد الرئيس العليمي في خطابه القضية الجنوبية إلى مركز المشهد، معتبرًا حلّها "حجر الزاوية لأي تسوية سياسية قادمة". وهي إشارة ناضجة إلى أن تجاهل الجنوب أو تأجيل قضيته لم يعد ممكنًا، وأن أي سلام لا يضع الجنوب في معادلة الحل العادل سيكون سلامًا ناقصًا وقابلًا للانفجار في أي لحظة.
وفي خضم الأزمة الاقتصادية الخانقة، أظهر الرئيس نبرة واقعية ومسؤولة، مشيرًا إلى تحسن نسبي في سعر العملة واستقرار السلع الأساسية، بفضل إصلاحات مالية وإدارية تمت بالتعاون مع البنك المركزي. وأثنى على دعم الأشقاء في السعودية والإمارات، مؤكدًا أن هذا الدعم ليس ماديًا فقط، بل سياسيًا واستراتيجيًا يضمن بقاء الدولة ومؤسساتها قائمة في وجه العاصفة.
ومع ذلك، فإن الملاحظة الأهم التي يمكن تسجيلها على الخطاب هي الحاجة إلى تفصيل أوضح لخطوات ما بعد التشخيص. فالتفكيك الذي دعا إليه الرئيس للإمامية لا يمكن أن يكون شعارًا نظريًا فقط، بل مشروعًا وطنيًا متكاملًا يشمل التعليم، والثقافة، والعدالة الانتقالية، وبناء هوية جامعة تتجاوز رواسب الماضي. وكذلك، فإن الحديث عن القضية الجنوبية يجب أن يترافق مع آليات عملية للحوار والتمثيل العادل داخل مؤسسات الدولة.
ختم العليمي خطابه أن صوت الدولة ما زال حاضرًا، وأن هناك قيادة تدرك أن السلام لا يُبنى على المجاملة أو التنازلات المموهة، بل على مواجهة جذر الصراع، أي الإمامة، وبناء عقد وطني جديد يعترف بتعدد اليمنيين دون أن يقسمهم. إنها لحظة فارقة بين مشروع يعيدنا إلى الكهف الطائفي، وآخر يسعى لبناء دولة لكل اليمنيين.